مجتمع

رعب وعنصرية وتضامن.. مغاربة إسبانيا غربة في “زمن كورونا”

الخميس 2 أبريل 2020 - 16:30

رعب وعنصرية وتضامن.. مغاربة إسبانيا غربة في “زمن كورونا”

طنجاوي –يوسف الحايك

بقبعته ذات اللون الأزرق الغامق، على الطراز الأوروبي،  يطل عبد الرحمن، الشاب المغربي الثلاثيني، من نافذة شقة يقطنها، مناديا جيرانه في أحد أحياء مدينة غرناطة الاسبانية.

ومن الجهة المقابلة يأتيه صوت إحدى جاراته مرحبا، قبل أن يشرع ابن مدينة تطوان، في مداعبة أوتار قيثارته، وهو يردد بحماس أغنية “Morena de mi corazón” الشهيرة.

وما هي إلا لحظات حتى تنخرط مجموعة أخرى في ترديد لازمة الأغنية.

على جماليته، يخفي مشهد عبد الرحمن ـ الذي وثقه مقطع مصور، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ـ حقيقة الأوضاع التي تعيشها مجموعة ليست بالقليلة من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم في معمعة أزمة مأساة إنسانية، لا قبل لهذا البلد الإيبيري شأنه في ذلك شأن باقي دول العالم بمثيل لها.

غربة في “زمن كورونا”

غربة، واقع مر، روت يسرى، الشابة ذات 27 ربيعا جانبا من تفاصيله، في ظل ما تعيشه الجارة الشمالية للمغرب، وقد باتت إحدى أكثر الدول تضررا بتفشي فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد 19).

وكشفت ابنة مدينة المضيق، في حديث لـ”طنجاوي” عبر خدمة الرسائل “ميسنجر”، أن ساكنة مدينة غرناطة في منطقة الأندلس (جنوب)، لم تعر في بداية الأمر اهتماما لتزايد حالات الإصابة بفيروس “كورونا” المستجد (كوفيد 19)، في الشمال، وخاصة بالعاصمة مدريد (وسط)، ومنطقة كاتالونيا (الشمال الشرقي).

وقالت إن حالة عدم الاهتمام بدأت تتبدد، بعد الإعلان عن فرض الحجر الصحي على المدينة؛ في إطار إجراءات مواجهة تفشي الوباء، لتتحول رويدا رويدا، إلى خوف وقلق. 

رعب !

وأضافت يسرى قائلة “شخصيا، أحسست بالرعب بعد أن رأيت رد فعل الناس في بداية الأمر، وتهافتهم على التسوق والتزود بالمواد الغذائية، ومشاهد الشوارع الخاوية، وسيارات الإسعافات والشرطة المنتشرة بشكل كبير.

وأردفت “انتابني شعور بالوسواس من احتمالية إصابتي بالفيروس، وأنا أعاني من مرض في الجهاز التنفسي”.

وزاد الوضع صعوبة بالنسبة ليسرى في ظل بُعدها عن عائلتها، التي يتوزع أفرادها على مدن مختلفة، فيما وجد والدها نفسه مضطرا للبقاء في المغرب بعد قرار السلطات إغلاق منافذه البرية، والبحرية، والجوية، بما في ذلك معبر باب سبتة الحدودي.

واستطردت يسرى قائلة “كانت أزمة نفسية كبيرة، وصلت حد الدخول في حالة من الأرق، وسيطرة الأفكار السلبية مع تزايد حالات الإصابة بالفيروس والوفيات الناجمة عنه مما يزيد من وقع الصدمة”.

معاناة يسرى ازدادت تفاقما بعد توقفها عن العمل، لتجد نفسها في مواجهة عبء أداء سومة الكراء، وفواتير الماء، والكهرباء… وغيرها.

تضامن وأمل

واستدركت الشابة الجامعية، وهي تقول “لكن الحمد الله لكوني أقطن بمنطقة يتعامل فيها الناس بإنسانية، من طرف المواطنين الإسبان فعلى الرغم من أننا أجانب، لم نعاني من سوء للمعاملة”.

وأكدت المتحدثة ذاتها أنها نجحت في التأقلم مع هذه الظروف بتغيير نظرتها للأمور فـ”عوض أن أفكر بطريقة سلبية، أعمل على استغلال وقت فراغي بتعلم أشياء جديدة، ووضع أهداف مستقبلية، بعيدا عن التوتر والضغط النفسي، لنرفع المعنويات، ونحن في استراحة محارب”.

ورغم كل شيء تصر يسرى على أن تنظر إلى المستقبل بأمل وتفاؤل.

وأكملت الشابة المغربية، التي تعمل في مجال العقار، حديثها وهي تقول “سنعود للعمل، وللعائلة، والأصدقاء، سنكمل من حيث توقفنا بعودة قوية، لنطور من ذواتنا، ونخطط لمشاريع جديدة”.

عنصرية

إلى ذلك، أثار اعتداء وصف بـ”العنصري” من قبل عناصر من الشرطة الاسبانية بمدينة بلباو (الشمال الأوسط)، مؤخرا، على شاب مغربي يعاني من اضطراب عقلي، وأمه، في ظل إجراءات حظر التجوال التي تفرضها السلطات الاسبانية، غضبا واسعا عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي.

وأظهر المقطع المصور لحظة ضرب عنصرين أمنيين على أم الشاب بعد اقتياد هذا الأخير إلى سيارة الشرطة، رغم احتجاج بعضا من ساكنة الحي من شرفات منازلهم.

وأفادت تقارير صحافية أن الشاب تم الإفراج عنه، لاحقا، بعد تدخل من القنصلية المغربية.

كما فتحت الشرطة، بإقليم الباسك، تحقيقا للوقوف على ملابسات واقعة الاعتداء على الشاب المغربي.

بن عيسى: معاناة مزدوجة

وفي هذا السياق، يرى محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، في وضع أفراد الجالية المغربية بالخارج عموما وفي إسبانيا على وجه الخصوص، أنه يشكل “معاناة مزدوجة؛ فقلوبهم موزعة بين الوطن الأم المغرب، وبلدهم الثاني الذي احتضنهم إسبانيا”.

وأكد بن عيسى في تصريح مكتوب لـ”طنجاوي” على أنه “رغم بعض الحالات المعزولة التي تعرض فيها بعض مغاربة إسبانيا للعنف من طرف الشرطة، كما تعرض أفراد من ذوي الأصول الاسبانية ـ وهو طبعا أمر مدان ـ  فإن الأكيد أن مغاربة إسبانيا تكيفوا مع هذا الوضع الصعب سواء في بلد الإقامة (إسبانيا) أو وطنهم الأصلي (المغرب)”.

ونبه الحقوقي ذاته إلى أن المغاربة الذين كانوا في رحلات مؤقتة، وانقطعت بهم السبل هناك بسبب إغلاق المغرب لحدوده وإيقاف جميع الرحلات، تبقى الفئة الأكثر تضررا.وخلص بن عيسى إلى أنه “تتوجب إعادتهم إلى بلدهم، مع فرض الحجر الصحي عليهم كما هو معمول به عالميا”.

السفارة.. دبلوماسية الأزمة

وعلى صعيد متصل، قالت كريمة بنيعيش، سفيرة المملكة المغربية بإسبانيا إن خلية الأزمة التي أنشئت عقب تفشي وباء “كورونا” باسبانيا والمكونة من السفارة والقنصليات المغربية الموجودة في مختلف الجهات الإسبانية، تواصل عملها باستمرار لمواكبة الجالية المغربية.

وأضافت بنيعيش، في تصريح جرى تعميمه على الصحافة، يوم الثلاثاء (31 مارس)، أن طاقم السفارة والقنصليات مازال يواصل عمله كل يوم ليستجيب لحاجيات الجالية والطلبة المغاربة في ظرف عصيب نمر به جميعا.

ونوهت الدبلوماسية المغربية بالوعي الذي أبان عنه أفراد الجالية المغربية في التعاطي مع الأزمة من حيث احترام التعليمات والإرشادات الصادرة عن السلطات الإسبانية، وكذا في الاتصال الدائم بالسفارة للتأكد من صحة الأخبار المتداولة في أوساط الجالية عن الوباء أو طلبا للمساعدة الاجتماعية في بعض الحالات.

وأشارت بنيعيش إلى أن المصدر الرسمي للوضع المرتبط بالجالية المغربية باسبانيا يبقى المصدر الوحيد الموثوق به فيما يخص المعطيات المتعلقة بالوباء في ظل استمرار انتشار أرقام ومعطيات مغلوطة لا تعتمد أي مصدر موثوق وغرضها التضخيم والتضليل.

إسبانيا.. المأساة في أرقام

وتعيش إسبانيا منذ يوم السبت (14 مارس) الفائت، حالة طوارئ صحية لمدة 15 يوما.

كما جرى تمديد حالة الطوارئ لمدة أسبوعين آخرين إلى غاية يوم السبت (11 أبريل) الحالي، في محاولة لمحاصرة انتشار الفيروس القاتل.

وكشفت وزارة الصحة الإسبانية، أمس الأربعاء (1 أبريل) أن مجموع  حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس بلغ 102 ألف، و 136 حالة إصابة؛ بزيادة بلغت 7719 حالة في ظرف 24 ساعة.

ورصدت الوزارة انتقال عدد حالات الوفيات من 8 آلاف و189، أول أمس الثلاثاء (31 مارس) المنقضي، إلى 9 آلاف و53 حالة أمس الأربعاء (1 أبريل) الجاري.

 وأحصت الوزارة وجود 5 آلاف و872 من العدد الإجمالي للمصابين بوباء “كورونا” المستجد للعلاجات المكثفة بأقسام العناية المركزة، بزيادة 265 حالة مقارنة مع أول أمس الثلاثاء (31 مارس)، في حين تماثل 22 ألف و647 من المصابين للشفاء التام؛ بزيادة قدرت بـ3 آلاف و388 مقارنة باليوم الذي سبقه.