أخبار من الصحراء

اسبان يختبؤون في قوافل السياحة لامتهان التهريب المعيشي بطنجة

الأربعاء 26 يوليو 2017 - 18:21

اسبان يختبؤون في قوافل السياحة لامتهان التهريب المعيشي بطنجة

طنجاوي

دفعت الأزمة الاقتصادية في اسبانيا مواطنيها إلى التفكير في حلول جدية كفيلة لإخراجهم من المأزق المادي الذي يعانون منه.

وإذا كان بعض المواطنين الإسبان قد حلوا بمدينة طنجة بحثا عن العمل، منهم من نجح في ذلك ومنهم فشل وعاد إلى بلده، فإن آخرين بحثوا عن حلول أخرى بدت ذكية وناجعة وتكسبهم أموالا،  قد تخرجهم من الضائقة المالية التي يعيشونها.

فريق اسباني يزيد عدد أفراده عن 10 أو أكثر، فكروا في حيلة بدت على قدر كبير من الذكاء، وهي  المشاركة في الرحلات المنظمة الرخيصة الثمن، والتي تنطلق من ميناء “طريفة” الإسباني نحو ميناء طنجة في زيارة سياحية للمدينة تستغرق يوما كاملا، ثم يعودون في المساء إلى مدينتهم “طريفة” في الجنوب الإسباني.

وإذا كان معظم من يأتي عبر هذه الرحلات هدفهم الترويح عن النفس، وزيارة المآثر التاريخية  للمدينة، فإن هؤلاء رسموا أهدافا تجارية ومعيشية لهذه الزيارة التي تنظم بشكل يومي، والهدف الأبرز الذي يظل أمامهم هو الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها، بعد فسخت الشركات عقودهم وأعلنت إفلاسها.

الزيارة تنطلق

عند الساعة  السادسة من كل صباح  تنطلق الباخرة السريعة صوب ميناء طنجة المدينة، على متن هذه الباخرة يأتي هذا الفريق الإسباني بينهم نساء ورجال، وهم يعتبرون ضمن القافلة السياحية التي تأتي إلى مدينة طنجة وتضم أزيد من 50 اسبانيا. أما ثمن الرحلة فيتحدد في 30 “أورو” ما يعادل 330 درهم تقريبا ذهابا وإيابا، فيما الثمن الأصلي للتذكرة فهو 80 “أورو”.  

 بعد 45 دقيقة، ترسو الباخرة بميناء طنجة، تنزل القافلة وينزل معها هذا الفريق، بشكل عادي، غير أن ما يميز مثل هذه القوافل السياحية هو أنه عند عملية الوصول يتفرق الجميع، بعدما يتفقون على ساعة العودة إلى الميناء.

 يتجه الفريق الإسباني أو ما يمكن أن يصطلح عليهم بأصحاب “التهريب المعيشي”، إلى “صور المعكازين” الشهير بطنجة، هناك ينتظرون أن تفتح  المتاجر سيما  تلك الموجودة بـ”قيسارية سرفانطيس”، لأن بعضها متخصص في السلع الصينية التي يرغب في اقتنائها هؤلاء الإسبان.

ينتظر هؤلاء حوالي ثلاث ساعات،  فهم يرفضون حتى الجلوس في المقهى لأن ذلك سيكلفهم. هم أتوا أصلا من أجل اقتناء السلع والعودة إلى منازلهم وليس من أجل شرب الشاي أو كأس القهوة مثلا، يقول أحد هؤلاء الإسبان.

“خيسوس” 52 سنة، يتحدر من مدينة “الجزيرة الخضراء” صرح بأنه يحل بطنجة للمرة الرابعة على لأغراض تجارية ويضيف:” أنا جئت هنا اليوم لمرافقة أصدقائها قالوا إن هناك سلع رخيصة يمكث الاستثمار فيها  وإعادة بيعها ننتظر أن تحل المتاجر لنبدأ التسوق”.  

المحلات  تفتح أبوابها

تفتح المحلات التجارية أبوابها فيتنفس المهربون المعيشيون الإسبان الصعداء، فداخل قيسارية “سرفانطيس” ينتشرون مثل الجراد على المحلات التجارية.

هؤلاء يقومون باقتناء سلع صينية رخيصة الثمن ويعيدون فيها البيع بأسواق “طريفة” و”الجزيرة الخضراء”، علما أن إدخال هذا النوع من السلع إلى اسبانيا ممنوع، ومن يقومون بذلك فإنه تطبق عليه غرامات ثقيلة من قبل رجال الجمارك الإسبان أو الحرس المدني الإسباني.

يمارس هؤلاء تمويها ذكيا على السلطات إذ يختبؤون في الرحلات المنظمة، التي عادة لا يخضع أصحابها للتفتيش في أمتعتهم لأن غالبيتهم هم من كبار السن، ويدرك رجال الحرس أنهم ذهبوا إلى طنجة، من أجل الترويح عن النفس والسياحة والتسوق فقط وليس من أجل التجارة.

يقتني هؤلاء ما بين 200 إلى 300 “أورو”، من السلع ويقومون بإخفائها داخل حقائبهم، حتى تعتقد السلطات الإسبانية أنها عبارة عن هدايا يأتون بها لأقاربهم.

وتستغرق عملية اقتناء السلع نحو خمس ساعات إذ لا تنتهي إلا عند الثالثة من بعد الزوال، ليستعدوا لرحلة العودة إلى مدينتهم.

“ساندرا” مسنة اسبانية ربما تجاوز سنها 55 عاما، كانت ضمن قافلة المهربين المعيشيين الذين حلوا بطنجة من أجل اقتناء السلع الصينية الرخيصة الثمن، تقول هذه السيدة ليست هذه المرة الأولى التي أزور فيها طنجة بحكم قربها من مدينتي طريفة، كنت في السابق أتي إلى هنا رفقة زوجي المتوفى من أجل السياحة، أما اليوم فأقوم بشراء كما ترى بعض الأغراض لأعيد بيعها هناك”.

 ساندرا اصطحبت معها فتاة، قالت إنها تساعدها في حمل الحقائب المحملة بالسلع. هل لديك محل تجاري في اسبانيا أم تفترشين الأرض لعرض هذه البضاعة؟ سألنا هذه الإسبانية فأجابت:””لا.. لا أنا لدي أصدقائي هم زبنائي يأتون إلي داخل المنزل وأعرض عليهم هذه السلع”.

مصائب قوم عند قوم فوائد

الأزمة الاقتصادية التي تضرب اسبانيا هي بمثابة مصيبة كبيرة حلت على الشعب الإسباني خاصة ذوي الدخل المحدود، لذلك اضطر بعضهم إلى امتهان التهريب المعيشي، ليجد قوته يومه، ويحل مشاكله المادية.

تجار “سرفانطيس”  كانوا أكبر من استفادوا من حازمة الإسبان، في إخراج السلع  وبيعها وأخذ ثمنها في نفس الوقت، دونما حاجة إلى اللجوء إلى تعاملات تفضيلية كما جرت العادة بين التجار والزبناء، الذين يقتنون السلع من هناك ويعيدون بيعها في أسواق أخرى بطنجة.

“أحمد الفاسي” يتوفر محل  داخل هذا المركز التجاري حيث يقتني منه الإسبان البضاعة الصينية صرح لنا بأن هؤلاء الإسبان خلقوا رواجا تجاريا مهما، وتمر عملية البيع معهم بطريقة سلسة للغاية. “هم يستفيدون من بضاعة رخيصة بحيث يستطيعون إعادة بيعها في المدن الإسبانية ونحن نستفيد ماديا أيضا” يقول الفاسي.

ويضيف هذا التاجر أن عملية البيع داخل المركز التجاري “سرفانطيس” تدعو للقلق، ذلك  أن الرواج التجاري يحدث من حين لآخر وليس بشكل يومي كما كان يحصل في السابق.

إلى جانب متجر الفاسي ينتصب محل تجاري آخر يتوافد عليه المهربون المعيشيون الإسبان بشكل كبير صرح صاحبه  بأن عملية البيع والشراء مع هؤلاء المهربين الإسبان أفضل بكثير من المغارب، الذين يؤدون ثمن البضاعة على شكل أقساط، بينما يؤدي الإسباني ثمنها في الحين، وبدون مفاوضات أثناء عملية البيع، ويضيف التاجر:” الثمن الذي نضعه على الأحذية الرياضية مثلا به يتم اقتنائها من قبل هؤلاء لا زيادة ولا نقصان”.

رحلة العودة

تتجه عقارب الساعة نحو الثامنة والنصف. الجميع في هذه الأثناء داخل الميناء مجتمعين، الكل يحمل حقائبه وأمتعه.

بالنسبة للمهربين المعيشيين فإن اليوم كان شاقا بالنسبة إليهم، حتى وجبة الغذاء فإنهم يصطحبونها معهم، فهي عبارة عن خبز وزيتون وقنينة ماء. هؤلاء اقتنوا بضاعتهم وأخفوها في حقائبهم، وينتظرها بيعها بعد وصولهم إلى اسبانيا.

أما المسافرون الآخرون فقد تمتعوا بجمالية المدينة وسحرها عبر أزقة الأحياء القديمة، ومختلف المزارات المهمة بعاصمة البوغاز، وذلك في أقل من ثمانية ساعات وبتكلفة مالية ربما لا تزيد عن 50 “أورو”، في أحسن الأحوال.

على أمل العودة

يحل الفريق الإسباني الذي يمتهن التهريب المعيشي بطنجة، تقريبا مرتين في الشهر، ومنهم من يكتفي بمرة واحدة، وبحسب تصريحاتهم فإن عددهم في البداية لم يكن يتجاوز ثلاثة أشخاص، ثم بدأ يتضاعف إلى أن وصل في بعض الأحيان إلى 15 نفرا بينهم نساء وأكثرهم من الرجال.

يأمل هؤلاء الإسبان كلهم في بيع هذه البضاعة التي اقتنوها من طنجة بشكل سريع، من أجل التفكير في العودة مجددا إلى هذه المتاجر لاقتناء سلع جديدة، ودائما عبر القوافل السياحية لأن دونها سوف يخضعون للتفتيش والتدقيق في الأمتعة وجودتها، وهو ما سيطرح إشكالا كبيرا بالنسبة إليهم لأنهم يحملون بضاعة يحظر دخولها إلى التراب الإسباني.