
محمد العمراني
يكاد يتفق الجميع أن صورة المسؤول الأمني قد اهتزت لدى المواطن المغربي، ليس بسبب انتشار الجريمة فحسب، ولكن بسبب تفشي مظاهر الفساد لدى غير قليل من مسؤولي هذا الجهاز، في غياب أي إرادة حقيقية للمساءلة، مما ألحق ضررا بالغا بجميع المجهودات التي بذلتها الدولة من أجل تحقيق المصالحة بين المواطن وأجهزة الأمن…
لا يختلف إثنان على أن كبار المسؤولين الأمنيين، عندما يتم تعيينهم بمناطق نفوذهم، فإن جميع حركاتهم وتصرفاتهم تكون موضع متابعة من طرف الرأي العام المحلي بالمدينة التي يشتغلون فيها. فالمواطن البسيط يصدر حكمه على أي مسؤول أمني، انطلاقا من علاقاته ومن الأماكن التي يرتادها، فهو يطبق بعفويته المثل الشعبي القديم “مع من رأيتك.. مع من شبهتك”…
بمدينة طنجة على سبيل المثال، عندما تسأل عن أي مسؤول أمني مر بهاته المدينة، يكون التقييم من خلال علاقاته التي ربطها بالمدينة طيلة الفترة التي قضاها هنا. وكثيرا ما يستشهدون بالمآل الذي انتهى إليه “إيزو”، الذي ربط علاقات مع عدة أوساط مشبوهة، كان المواطنون البسطاء يعرفون تفاصيلها الدقيقة، قبل أن تؤكدها التحقيقات القضائية…
فحينما يسجل المواطنون البسطاء على بعض كبار مسؤولي الأمن ارتيادهم المتكرر لبعض العلب الليلية، للاستمتاع بحياتهم الخاصة، و الجميع يعلم أنها فضاءات آمنة لتعاطي كل أنواع المخدرات الصلبة والقوية، ولإحياء سهرات ماجنة تذكرنا ب “ليالي الأنس” في فيينا، كما وصفتها الراحلة أسمهان…
وحينما يسجل عليهم ظهورهم مع أشخاص تحوم حولهم شبهات كثيرة…
وحينما يرَوْن مسؤولا أمنيا يجالس أشخاصا يعرفهم الجميع أنهم سماسرة الملفات السمينة…
كيف سيكون حكم المواطنين على هكذا مسؤولين؟…
بالتأكيد ستتملكهم قناعة لن تتزحزح بوجود شبهة فساد في تصرفاتهم، حتى ولو كان هذا المسؤول صفي النية، ونظيف اليد…
ببساطة..لأن المواطن لن يستوعب مجالسة أي مسؤول أمني، يفترض أنه هنا لمحاربة الجريمة، مع أشخاص يعرفهم الجميع بتعاطيهم لأنشطتهم المشبوهة، والحال أن هذا المسؤول في نظر المواطنين، يجب أن يكون قدوة بالمحيط الذي يشتغل به، و مثالا يقتدى به من طرف العناصر الأمنية التي يشرف عليها، وقدوة للساكنة كذلك…
بل إن الشبهات تصير يقينيات حينما يلاحظ المواطنون، أن ذوي المصالح والامتيازات، يتباهون باستغلال علاقتهم بهذا المسؤول أو ذاك، حيث تجدهم يتصرفون وكأنهم خارج القانون، وأنهم محميون ضد أي متابعة…
بل منهم من يستقوي بهاته العلاقة، ويصير بين عشية وضحاها شخصا نافذا، بيده مفاتيح الحلول لأعوص الملفات، وجاهز لتقديم الخدمات عند الطلب، وفي كل لحظة وحين…
حتى الشرطي البسيط يصير عاجزا عن تطبيق القانون في حق أصدقاء هذا المسؤول الأمني وأصدقاء أصدقائه، لأنه يعرف أن التعليمات ستصدر للتساهل والتغاضي عنهم…
لذلك وبسبب استفحال مظاهر الفساد داخل جهاز الأمن، لقيت الاستراتيجية الأمنية لعبد اللطيف الحموشي، المدير العام الجديد للأمن الوطني، تجاوبا واسعا من مختلف شرائح المجتمع المغربي، المرتكزة على تدعيم آليات النزاهة والشفافية والتخليق في صفوف موظفي الأمن الوطني.
المغرب أمام رهانات دقيقة على أكثر من مستوى، هناك تحديات أمنية و تحولات اجتماعية جد معقدة، ويستحيل عليه مجابهتها دون مؤسسات قوية وصلبة…
وقوة المؤسسات اليوم في مدى تقيدها بضوابط التخليق والشفافية، فالخطر الداهم الذي يتهدد البلاد اليوم هو تفشي وتغلغل الفساد في الإدارة المغربية، لكن الأمر يصير أكثر خطورة حين يصيب أجهزة يفترض أنها مكلفة بحفظ الأمن ونشر الطمأنينة في نفوس المواطنين…
ولذلك فمعركة الحموشي ضد الفساد هي معركة لتمنيع أسس استقرار الوطن، واستقرار الوطن وحماية أمنه يمران بالضرورة عبر تحسين صورة جهاز الأمن لدى المواطن، ومحو صورة ذلك المسؤول الأمني الذي يسابق الزمن لمراكمة الأرصدة البنكية و اقتناء الضيعات الفلاحية والعقارات، على حساب أمن الوطن والمواطنين…