
محمد العمراني
وجد البشير العبدلاوي، عمدة طنجة، نفسه بعد أيام قليلة من انتخابه في هذا المنصب، أمام ملف حارق لا يتيح له الكثير من الخيارات…
إنه ملف أمانديس، الذي اكتوى بنيرانه جميع الرؤساء الذين سبقوه، وجميعهم انتصرت عليهم الشركة الفرنسية، المفوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل، بالضربة القاضية…
هم خرجوا من النافذة، وبقيت أمانديس متغطرسة، فارضة قانونها على الجميع…
لسوء حظ العبدلاوي، تزامن وصوله إلى الطابق السابع من قصر بلدية طنجة، مع اندلاع احتجاجات، هي الأكبر من نوعها منذ زخم تظاهرات 20 فبراير…
ساكنة طنجة خرجوا للتنديد بالارتفاع المهول لفواتير استهلاك الماء والكهرباء، الخاصة بشهر غشت المنصرم..
العشرات من الأسر توصلت بفواتير فاقت في بعض الأحيان المدخول الشهري لمعيليها…
الناس لم يخرجوا للشارع إلا بعد ما وصل السيل الزبى، وبعدما استنزفت الفواتير الملتهبة ما في جيوبهم، وصاروا عاجزين عن أداء مستحقات استهلاكهم للماء والكهرباء…
بالمقابل يَعتبر مدير أمانديس، الفرنسي الجنسية، ارتفاع الفواتير أمرا عاديا ومنتظرا، ويقدم تفسيرا في غاية البساطة والوضوح:
الشركة تطبق تسعيرة الحكومة التي حددتها لهاتين المادتين الحيويتين، والحكومة في نظره هي من قررت حذف نظام الأشطر عند احتساب الفواتير، وأن شهر غشت عرف تنزيل الدفعة الثالثة من الزيادات، و مع شهر يناير المقبل ستعرف الأسعار ارتفاعات جديدة، بعد دخول الدفعة الرابعة من الأسعار التي أقرتها الحكومة حيز التنفيذ…
طيب نحن أمام واقع لا يرتفع:
من جهة الناس يحتجون بعدما اكتووا بلهيب الأسعار، ومن جهة ثانية أمانديس تتنصل من المسؤولية وتلقيها على عاتق الحكومة…
و هنا بالضبط نحن في أمس الحاجة إلى الوضوح الكامل من عمدة المدينة وفريقه المسير…
ينبغي قول الحقيقة للمواطنين…
هل أمانديس هي من تتحمل مسؤولية هاته الزيادات المهولة؟، إذا كان الأمر كذلك يجب اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات لإعادتها إلى جادة الصواب، أم أن ارتفاع الأسعار مرده إلى التسعيرة الحكومية، وهنا يجب التحلي بالشجاعة و مصارحة المواطنين بالحقيقة كما هي!…
الموضوعية تقتضي الاعتراف بكون ملف أمانديس شائك وشديد التعقيد، ولا ينبغي رفع سقف الانتظارات عاليا، لكن من حق ساكنة المدينة، التي منحت تفويضا شاملا لحزب العدالة والتنمية، أن تنتظر من مجلس المدينة قرارات حاسمة، تلزم بمقتضاها الشركة الفرنسية بتنفيذ بنود دفتر التحملات، الذي على أساسه تباشر أمانديس التدبير المفوض لهذا القطاع الحيوي…
أول ملف يجب الحسم فيه، هو فك الارتباط بين اللجنة الدائمة للمراقبة، المنوط لها قانونا مراقبة أمانديس والسهر على مدى تقيدها بمضامين دفتر التحملات، إذ لا يعقل أن تبقى الشركة الفرنسية هي من تؤدي راتب السيدة مديرة اللجنة الدائمة للمراقبة؟!…
الأمر لا يستقيم على الإطلاق، ويستحيل أن تقوم هاته اللجنة بمهامها من دون فك الارتباط بشكل نهائي بين مصالح المراقبة وبين الشركة الفرنسية المفوض لها تدبير هذا القطاع…
السكان يطالبون برحيل الشركة لأن لديهم شعور بكون أمانديس أقوى من المراقبة، وأقوى ممن انتخبوهم لتدبير شؤون المدينة منذ أن حلت بطنجة…
ولذلك، إذا نجح المجلس الحالي في إجبار الشركة الفرنسية على التقيد بدفتر التحملات، سيعد إنجازا كبيرا، وسيكون تنزيلا لأهم التزامات حزب بنكيران مع الناخبين…
قد يتساءل البعض: لماذا مطالبة الإخوة في حزب العدالة والتنمية بهكذا مطالب، في حين عجز سابقوهم عن تنفيذها؟…
بسبب هذا العجز بالتحديد، وفي غيره من الملفات، ذهب المواطنون لصناديق الاقتراع، ومنحوا أصواتهم لحزب المصباح، الذي التزم بالوضوح ومصارحة الساكنة بالحقيقة، وبتحمل المسؤولية وفق ما يتيحه لهم القانون من صلاحيات…
المواطنون يريدون فقط معرفة حقيقة غطرسة هاته الشركة الفرنسية، وإصرارها على خرق دفتر التحملات، وتملصها من التزاماتها…
لا نريد وعودا عنترية…
لا نريد من العبدلاوي أن يرمي الشركة الفرنسية في عرض البحر…
كل ما يطمح فيه المواطنون أن يتم إخضاع أمانديس للمراقبة، وأن يتم حمايتهم من بطشها…
الإخوة في حزب العدالة والتنيمة أمامهم تقرير في غاية الأهمية، وضعه المجلس الأعلى للحسابات، رصد فيه جميع الاختلالات التدبيرية للشركة الفرنسية منذ تحملت مسؤولية التدبير المفوض سنة 2002…
لا نريد منهم محاكمة مسؤوليها، فهذا قرار سياسي يتجاوز هامش المبادرة المسموح به لمجلس منتخب، وإن كان من الناحية القانونية لهم الحق في إحالة الملف على القضاء لاتخاذ المتعين فيه…
لكن من حقنا أن نطالب العبدلاوي باتخاذ ما يلزم من تدابير وقرارات لمعالجة هاته الاختلالات…
فهل سيفعل؟؟؟….