
في أحد أسواق مدينة مراكش، بعيدًا عن المدن الساحلية، يقف عبدو خلف عربته البسيطة، عارضًا سمك السردين بسعر يتراوح بين 5 و7 دراهم للكيلوغرام، رغم أن المدينة تبعد مئات الكيلومترات عن الساحل، حيث يُفترض أن تكون أسعار الأسماك أعلى بكثير.
أحدثت هذه الأسعار المفاجئة صدمة بين الزبائن، وأربكت المضاربين في السوق، المعروفين محليًا بـ”الشناقة”، الذين اعتادوا فرض أسعار تصل إلى 25 درهمًا للكيلوغرام حتى في مدن ساحلية مثل الرباط وأكادير والدار البيضاء.
لم يكن عبدو مجرد بائع سمك، بل اتخذ موقفًا ضد نظام تجاري متجذر، حيث انتشر مقطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يبتسم بثقة قائلاً: “أبيع بالسعر الذي أريد، أربح قليلاً وهذا يكفيني”، في رسالة تحدٍّ للاحتكار والمضاربة.
تعتمد فلسفة عبدو في البيع على شراء الأسماك مباشرة من الموانئ، متجاوزًا الوسطاء الذين يرفعون الأسعار دون مبرر. يكتفي بهامش ربح بسيط لا يتجاوز درهمين للكيلوغرام، لكن الكميات الكبيرة التي يبيعها يوميًا تضمن له دخلاً يكفيه للاستمرار في مشروعه.
ورغم نجاحه، يرى بعض البائعين، مثل كريم، بائع السمك في الرباط، أن هذه الأسعار “غير قابلة للاستمرار”، مشيرًا إلى ضرورة احتساب تكاليف النقل والتخزين. في المقابل، يعتبر الزبائن أن المدن الساحلية، حيث لا توجد مصاريف نقل، أولى بمثل هذه الأثمنة.
من ناحية أخرى، كشف استطلاع رأي حديث أجرته شركة متخصصة في أبحاث السوق، أن 38% من المغاربة يتناولون السمك مرة واحدة في الأسبوع، بينما يستهلكه 30% منهم عدة مرات أسبوعيًا، في حين أن 4% لا يتناولونه إطلاقًا، وهي نسبة قد ترتفع بسبب ارتفاع الأسعار.
تحولت مبادرة عبدو إلى رمز لمقاومة الاحتكار، خاصة مع تكراره لعبارة “أنا مع دراوش”، ما دفع الكثيرين للمطالبة بمراجعة آليات التسعير والمراقبة، وضبط الأسعار للحد من المضاربة وجعل الأسماك في متناول الجميع.