
في إطار الحملة الوطنية للإعاقة الممتدة من 21 إلى 26 ماي، ومع اقتراب موعد الامتحانات الإشهادية الوطنية والجهوية، عاد النقاش إلى الواجهة بشأن إمكانية إدراج لغة برايل في امتحانات الباكالوريا لفائدة التلاميذ المكفوفين. مطلب يستند إلى مرجعيات حقوقية وتربوية، لكنه يصطدم بواقع تنظيمي وبنيوي يجعل تفعيله الفوري أمراً معقداً.
مكفوفون دون برايل
تفيد شهادات ميدانية أن عدداً من التلاميذ المكفوفين لا يتقنون القراءة والكتابة بلغة برايل، بينما تعاني مؤسسات تعليمية من نقص الأطر المؤهلة والمعدات التقنية اللازمة لتنظيم امتحانات بهذه الخصوصية. ويطرح الاعتماد المستمر على المرافقين إشكاليات تتعلق بتكافؤ الفرص ومصداقية التقييم.
ويُسجل غياب سياسة وطنية موحدة لتعميم استعمال لغة برايل في الامتحانات، في ظل غياب دليل تنظيمي رسمي يؤطر هذه العملية. وبينما تُحقق بعض المبادرات المحلية نجاحات محدودة، تبقى الحاجة ماسة إلى إرادة مؤسساتية حقيقية لترجمة هذا الحق إلى ممارسة واقعية داخل المنظومة التعليمية.
عوائق بنيوية
يرى عبد اللطيف المومني، أستاذ اللغة العربية بمؤسسة محمد الخامس لفائدة الأشخاص المكفوفين بفاس، أن إدراج برايل في امتحانات الباكالوريا ما يزال بعيد المنال، مشيراً إلى أن التلاميذ اعتادوا الاعتماد على المرافقين سنوياً، ويصعب إلزامهم فجأة بالاعتماد على برايل. وأضاف أن المؤسسة سبق أن اقترحت تجريب هذه الخطوة على مستوى الامتحانات الجهوية (السادس ابتدائي والثالثة إعدادي)، لكن المقترح لم يلق تجاوباً من الجهات المعنية.
وأوضح المومني أن نصف التلاميذ المكفوفين لا يتقنون أساسيات برايل، وهناك من لا يزال في الجذع المشترك ويجد صعوبات في التعامل معها، ما يُبرز خللاً في المنظومة التعليمية.
نقص الكفاءات والموارد
انتقد المومني قرار الأكاديمية الجهوية القاضي بإسناد تدريس المكفوفين في الابتدائي إلى أساتذة مبصرين لا يجيدون لغة برايل، مما يعرقل العملية التعليمية. وأكد أن الأساتذة المكفوفين، رغم وجودهم، لا يُكلفون إلا بساعتين أسبوعياً، ما يُضعف مشاركتهم الفعالة في تأطير التلاميذ.
وأشار إلى تجربة سابقة ناجحة في اجتياز امتحان الثالثة إعدادي بلغة برايل ضمن التعليم الأصيل، معتبراً أن القضية تتجاوز الجوانب التقنية، لتصل إلى مسؤولية سياسية واجتماعية في إعادة الاعتبار للتلميذ الكفيف.
غياب توضيحات رسمية
لم يصدر أي رد رسمي من بعض الأكاديميات الجهوية المعنية، حيث أفادت أكاديمية الرباط سلا القنيطرة بأن مشروع التربية الدامجة لا يزال في طور التنزيل، فيما أكدت مصادر من جهة مراكش آسفي أن امتحانات السنة الثالثة إعدادي بلغة برايل تُجرى بشكل تجريبي منذ سنوات.
تحديات واقعية
من جانبها، أوضحت ريم غجدام، طالبة كفيفة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، أن اجتياز الامتحان الوطني بلغة برايل يواجه عراقيل متعددة، أبرزها عدم إتقان عدد من التلاميذ للكتابة السريعة بها، فضلاً عن الحاجة إلى مساحة أكبر من الورق، ما يؤدي إلى الإرهاق خلال فترة الامتحان.
كما أثارت مسألة التصحيح، مشيرة إلى أن اعتماد مصححين من نفس الجهة قد يُعرض مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص للخطر، إذ يمكنهم معرفة هوية التلميذ من خلال الخط، خاصة في ظل محدودية عدد فروع المنظمة المكلفة بالمكفوفين.
خطوات ممكنة
محمد العلوش، أستاذ التربية الإسلامية بالمؤسسة نفسها، شدد على أن إدراج لغة برايل يظل خياراً قابلاً للتنفيذ إذا توفرت الإرادة والإجراءات التنظيمية الضرورية. واقترح إشراك شخص متمكن من الطباعة بلغة برايل في لجان إعداد الامتحانات داخل الأكاديميات الجهوية، وتوفير طابعة واحدة على الأقل بكل جهة.
كما أقر بوجود خصاص في الأطر المؤهلة لتصحيح أوراق برايل، ما يستدعي تكويناً مستمراً وتشجيع الأساتذة على التخصص في هذا المجال، مشيراً إلى أن بعض التلاميذ يبذلون مجهوداً كبيراً للاعتماد على أنفسهم دون مرافقين، وهو ما ينبغي دعمه.
نحو رؤية شاملة
عبد الرزاق بوغنبور، خبير في مجال الإعاقة البصرية لدى منظمة “الألكسو”، أكد أن إدماج الأشخاص المكفوفين في محطات حاسمة كاجتياز الامتحانات الإشهادية هو حق لا يمكن تأجيله، مبرزاً أن اعتماد طريقة برايل ضرورة لضمان العدالة التعليمية.
وأشار إلى تجارب دولية ناجحة مثل فرنسا وبريطانيا، التي تعتمد نماذج مهيأة بلغة برايل، وتوفر وقتاً إضافياً ومراكز جهوية للتصحيح تضم أساتذة متخصصين. وفي المقابل، فإن استعمال برايل في المغرب يظل جزئياً وغير موحد، رغم التنصيص القانوني على مبدأ الدمج في القانون الإطار 51.17.
وشدد بوغنبور على ضرورة إرساء شراكات بين وزارة التربية الوطنية والمنظمات المختصة لإعداد دليل وطني يؤطر استعمال برايل في الامتحانات، مع تكوين الأطر وتوفير المعدات التقنية اللازمة، مؤكداً أن إدماج لغة برايل في الامتحانات ليس امتيازاً، بل حق دستوري وإنساني ينبغي تفعيله بخطة وطنية شاملة.