
طنجاوي
يبدو أن الطريق الذي اختار المغرب المضي فيه من أجل تكريس مبادئ الديمقراطية والحرية و إقرار دولة “الحق والقانون” وضمان العيش الكريم، فقطع فيها أشواطا كبيرة بخطوات ثابتة واستقرار دائم -بحفظ من الله ورعايته-، في ظل متغيرات دولية وسياق ملتهب، سعت وتسعى فيه الدول العظمى إلى تغيير خارطة العالم والتحكم في البلدان بشتى الوسائل، وإضعافها من الداخل لإحكام سيطرتها عليها وضمان تبعيتها اقتصاديا وماليا، فكريا ودينيا، هو طريق شائك لا يخلو من الصعاب، ولابد له من التضحيات، خاصة في ظل ظروف تتميز بتنامي الأطماع الخارجية وتعدد جبهات العدو الذي يخرج علينا في صفات مختلفة وبأوجه متعددة، يبقى أقبحها وأخطرها على أمن واستقرار البلاد قناع “الملاك” المدافع عن الحقوق والحريات الفردية الهادف في ظاهره إلى تحقيق كرامة الإنسان وضمان حريته، -فننبه في هذا السياق أنها وبالضبط نفس الشعارات التي رفعت وتعالت بها الأصوات في كل من سوريا”سلمية سلمية سوريا بدا حرية”، العراق “أرض حرية كرامة وطنية”، ليبيا و تونس “شغل.. حرية.. كرامة وطنية”، مصر “هيكون لينا فمصر حضارة.. مصر هتبقى لغيرها منارة”، أما ثمار هذه الثورات فلم يبقى اليوم جاهل لمرارتها- إلا أن الأخطر والمحزن بل والمدمي للقلب أن شيطان الحرية والكرامة قد يأتي من الداخل من أبناء جلدتنا فتأتينا الطعنات في الظهر في حين نواجه العدو على جبهات القتال لحماية هذا الوطن.
إن المتتبع للمغرب وأحواله لابد له أن يلحظ تسارع وثيرة الهجمات المتتالية داخليا وخارجيا و الاستهداف المستمر والمتعدد الأوجه لاستقراره وأمنه الذي يأتي إما في شكل مشاريع إرهابية تسعى لنسف الاستقرار من جذوره وزرع الرعب في قلوب المواطنين –أحبط المغرب معظم هذه المشاريع (والتي يتجاوز عددها الثلاثمائة)في حين لا زال يتعافى من جروح بعضها- وإما في شكل احتجاجات سرعان ما تتحول وتنمو لتأخذ صبغة الثورات التي تتبنى مطالب لا سقف لها قصد وضع الدولة في طريق مسدود وإشغالها بالسعي إلى ضمان أقل واجباتها أمام المواطن وهي الأمن والاستقرار، بدل التركيز على التطور والتنمية، مع ما يواكبه من حملات مغرضة على المستوى الدولي يتزعمها نشطاء حاقدين على البلد ومستهدفين له، ومن الغريب أن يتفطن للأمر غرباء عن الأوطان، في حين يتشدق أبناء هذا البلد بسعيهم للحرية والكرامة -التي لو غابت عنهم لما كانت لهم القدرة على التعبير بكل حرية.
إن المغرب يواجه مؤامرات خطيرة، ظهرت مؤشراتها غير ما مرة، وكان آخرها ما يجري بمنطقة الريف الحبيب، بعد فشل المحاولات لزرع الفتنة في مناطق أخرى من هذا البلد، ففي سنة 2010 ظهرت حركات احتجاجية بالأقاليم الجنوبية تمخضت عن تجمع فئات مختلفة من ساكنة المنطقة رافعة مطالب اجتماعية محضة –كما ادّعوْا حينها- تلخصت في شعار واحد حمله كافة المحتجين، وهو “السكن الصحة والتعليم”، وقد تطور هذا الشكل الاحتجاجي إلى شكل نضالي “راقي” تمثل في نزوح جماعي إلى مخيم جوانب مدينة العيون بمنطقة اسمها “اكديم ايزيك”، فما كان لنشطاء هذا الشكل الاحتجاجي إلا أن تبنوا خطاب السلمية، وتمسكهم بالوحدة الترابية للبلاد، كما أنهم منعوا رفع أي قماش انفصالي، وان غاب كذلك عن احتجاجهم العلم الوطني!!، وأكدوا في مناسبات عدة أن مطالبهم تنحصر فيما هو اجتماعي من توفير للسكن وخلق لفرص الشغل وبناء جامعات ومؤسسات تعليمية، وبالفعل تعاملت الدولة مع هذا الحراك الذي دام أكثر من خمسة أشهر بنية حسنة، واستجابت لمطالب الساكنة ودخلت في حوارات جدية مع قادة الاحتجاج، وأوجدت حلول آنية وأخرى مؤجلة نراها اليوم واقعا معاشا، لكن سرعان ما بدأت رائحة الغدر تفوح من أفواه قادة “الحراك”، وظهرت إلى الواجهة أطماع أخرى، وبدأ التماطل، وكثُرت المطالب ورُفِعَالسقف، ففي كل مرة تستجيب الدولة لمطلب، يطفو على السطح مطلب آخر غالبا ما يكون تعجيزيا، فبدأت تتكشف لمؤسسات الدولة دخول جهات خفية على الخط، وخروج تقارير يومية من المخيم، ودخول تمويلات خارجية من جهات معادية تاريخيا للوطن، فأصبح الهم الشاغل لقادة الحراك هو تشويه صورة المغرب دوليا، واللعب على وتر حقوق الإنسان، و إيقاف اتفاقيات الاستثمار والتبادل التجاري بالمنطقة، وجر الأقاليم إلى مستنقع من الدماء، فنبهت الدولة المواطنين آنذاك إلى ظهور مشروع تخريبي انفصالي تحاك خيوطه في الخفاء، وهو ما استجاب له من حكموا العقل على العاطفة، ليعودوا إلى ديارهم امنين غانمين بتنمية حقيقية تعيشها الأقاليم الجنوبية اليوم، في حين ردت الدولة بقوة على من سولت لهم أنفسهم خيانة الوطن، وسرعان ما تغير الخطاب وأزيح النقاب، فبمجرد أن تدخلت القوات لتفكيك المخيم، حتى ارتفعت الشعارات الانفصالية، وظهرت الأسلحة البيضاء المغطاة ب”السلمية”، ورفعت الأقمشة على حساب أعلام الوطن بتلاوين من الذل والخيانة لهذا البلد، وحُجِزَت أموال طائلة داخل المخيم بعملات مختلفة أكثرها عملات العدو، ولم يعد لنشطاء الحراك ما يخسروه بعد أن تشكف للعالم خبثهم، فبعد أن كانوا يدعوا الوحدوية في خطابات جماهيرية، يرددون اليوم شعارات الانفصال في ردهات المحاكم التي لا يعترفون بها على خلفية محاكمتهم بجرائم الدماء التي راح ضحيتها 13 جنديا سالت دماؤهم لحماية الوطن.
فهل نعيد تكرار التجربة اليوم؟ وقد لمسنا في “حراك الريف” العديد من أوجه التشابه بل التطابق مع مؤامرة “اكديم ازيك”، وقد نفذ من العدو روح الإبداع وبدأ يسقط في تكرار مخططات بالية، لا يُغَيّرُ فيها إلا المكان والزمان، وقد خرجت أجهزة الدولة عن صمتها وهي التي لها من الإمكانيات ما يخول لها الكشف عن مخططات العدو خارجيا وداخليا و إحباطها في مهدها، أم أننا سننساق وراء “قادة الحراك” اللذين يتبجحون بأن أشكال نضالهم راقية وسلمية، و أن مطالبهم اجتماعية وان غابت عنها الأعلام الوطنية!!!، فمنذ أكثر من ستة أشهر والاحتجاجات مستمرة وعلى حد قولهم “باقية وتتمدد” على الرغم من المجهودات الحثيثة للدولة للاستجابة لمطالبهم، وإطلاق مشاريع كبرى لم تستفد منها أغلب مناطق المملكة الأكثر احتياجا، فقد تم برمجة مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” الذي رصد له غلاف مالي بقدر 6.515 مليار درهم في مجال زمني يمتد ما بين 2015 و 2019، وهو الغلاف الزمني الذي لا زلنا لم نصل إلى نهايته للوقوف على ثمار المشروع، وتم تشغيل مئات الشباب توظيفا مباشرا في مصانع طنجة، وتم إطلاق مشاريع بناء تُقََابَلُبانتقادات شكلية من قبيل ملاحظات في البطائق التقنية للمشروع، وتم الشروع في ترميم الطرقات وتعبيدها بمختلف مناطق الريف،وتم إعفاء مسؤولين من مهامهم وتغيير آخرين استجابة لمطالب نشطاء “الحراك”، لكن كلما استجابت الدولة لمطلب طفا إلى السطح مطلب آخر، وكلما أعفي مسؤول عن مهامه وجهت الانتقادات للذي يليه، وتمت المطالبة بإقالته هو الآخر، بل الأخطر من هذا وذاك، أن من نصبوا أنفسهم “زعماءا للحراك” أقفلوا كافة قنوات التواصل، وأغلقوا جميع أبواب الحوار، فأصبح الكل خائن وفاسد بالنسبة لهم، فالأحزاب السياسية التي وصلت لمقاعد تمثيلية بآلاف الأصوات من أبناء الريف “دكاكين” و الوالي الذي ينزل لشوارع المدينة بشكل يومي للاستماع لمطالب المواطنين والتحاور معهم “بيدق”، والحكومة التي تمخضت عن عملية انتخابية شكلت أسمى أشكال الديمقراطية “عصابة”، وتقارير وزارة الداخلية التي نتجت عن ستة أشهر من البحث والتأني والحيطة والحذر في التعامل مع الملف “مزيفة” والأمن الذي لم يتدخل لمدة تتجاوز الستة أشهر على الرغم من محاولة الإجهاز على أبنائه حرقا “جهاز قمعي”، فماذا يريد هؤلاء؟؟!!!
الجواب واضح، إن هذا الوطن يدفع ثمن الخيار الديمقراطي، ويعاني من استغلال حرية التعبير، ويواجه الضربات داخليا وخارجيا، والمؤسف حقا، أن الذي يُفتَرَضُ فيه الدفاع عن وطنه هو من يساهم في تخريبه وجره لمستنقعات الدماء والخراب سواء عن علم أو جهالة. إن مسؤولية حماية هذا البلد لا تقتصر على رجال الأمن والدرك والعساكر المرابطين في حدود الصحراء وغيرها، بل هي مسؤوليتي ومسؤوليتك كمواطن ومسؤولية الجميع، فمستقبلك بيدك وسيسجل التاريخ ماذا قدمت لهذا الوطن، بل سيقطف أبناؤك ثمرة غرسك وقراراتك، فاحذر ممن يكيدوا لك كيدا وقف صامدا في وجه أعدائك، أعداء الوطن.
#نعم_لتنمية_بلادي_لا_للمؤامرات_ضده
إذا أعجبك الموضوع لا تتردد في مشاركته