
أظهر استطلاع حديث أجرته شركة “يوغوف” أن حوالي 9 من أصل 10 عرب أمريكيين يعتزمون التصويت بكثافة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نونبر. وبالنظر إلى الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط، فإن هذا الإقبال التاريخي يأتي وسط حالة من التردد بين اختيارين شائكين.وإذا كانت هذه الفئة من المواطنين الأمريكيين، التي يقدر عددها بنحو 3.7 ملايين شخص حسب المعهد العربي الأمريكي، قررت المشاركة بكثافة في هذه الانتخابات، فإن ذلك يجد تفسيره في السياق المتوتر وغير المسبوق في الشرق الأوسط.هذا الوضع أثار استياء الناخبين من أصول عربية، الذين أضحوا أكثر وعيا بأهمية أصواتهم في الساحة السياسية الأمريكية، وباتوا يدركون، لاسيما الشباب منهم، التأثير الذي يمكن أن يكون لهم في انتخابات يتم حسمها أحيانا بفوارق ضئيلة.يدرك الناخبون العرب أن بإمكانهم استخدام أصواتهم لمنع وصول مرشح لا يحظى بقبولهم إلى البيت الأبيض، أو لمعاقبة مرشح لا يرونه جديرا بثقتهم.خلال ندوة عبر الإنترنت، صرح طارق علي أحمد، مدير الأبحاث والدراسات لدى “عرب نيوز”، التي أجرت الاستطلاع، أن “السبب في أن 9 من كل 10 عرب أمريكيين سيصوتون هو اعتقاد 80 في المائة منهم بأن أصواتهم تحدث فرقا فعليا”.وبرأيه، فقد أصبح الناخبون العرب الأمريكيون يدركون الآن أهمية “معاقبة” الديمقراطيين -الذين اعتادوا التصويت لهم- أو التصويت لصالح مرشح مستقل، في تصويت عقابي سيحرم الديمقراطيين من الرئاسة.يشير استطلاع “يوغوف” إلى أن 45 في المائة من الناخبين العرب على الصعيد الوطني ينوون التصويت لفائدة دونالد ترامب، مقابل 43 في المائة لكامالا هاريس. بيد أن مصير الانتخابات الرئاسية الأمريكية س ي ح س م في الولايات المتأرجحة، حيث تشير النتائج إلى أن شريحة كبيرة من الناخبين ستدعم مرشحة حزب الخضر، جيل شتاين.وأوضح الباحث والصحفي، راي هنانيا، خلال ندوة، نظمها معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن “التصويت لشتاين يعادل التصويت لترامب”، مضيفا أن “الأمر لا يتعلق بشتاين بحد ذاتها، بل يريد العرب توجيه رسالة للديمقراطيين: توقفوا عن اعتبار أصواتنا أمرا مسلما به”.في الولايات المتأرجحة في شمال شرق البلاد، يكتسب كل صوت أهمية، ما يمنح الناخبين العرب وزنا كبيرا في هذه الانتخابات، وفقا للباحث الصحفي الذي يوضح أنه إذا كان من المستبعد أن تفوز جيل شتاين بالرئاسة، إلا أنها ستساعد العرب -الغاضبين من كلا المرشحين- على توجيه رسالة واضحة إلى الطبقة السياسية الأمريكية.غير أن الوضع لا يبدو محسوما، إذ تحاول كامالا هاريس، وإن بشكل خجول، الابتعاد عن سياسة جو بايدن تجاه الشرق الأوسط، حسب ما أفادته ياسمين أبو طالب، الصحفية في “واشنطن بوست”، ملاحظة أن “كامالا تسعى لإيجاد توازن بين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحق الفلسطينيين في حياة كريمة”.وأضافت أن “الناخبين العرب والمسلمين يعتقدون أنه إذا صوتوا لهاريس، فقد يتمكنون من الضغط عليها لاتخاذ خطوات لصالح الفلسطينيين، أما في حال فوز ترامب فلن يستطيعوا فعل شيء”.غير أن تعامل الديمقراطيين مع الناخبين العرب لم يكن على الدوام مدروسا بشكل جيد. ففي شتنبر الماضي، وبعد أن لاحظ فريق الحملة الانتخابية لكامالا هاريس ارتفاعا في شعبية ترامب و/أو شتاين في صفوف العرب، قامت بوضع لوحات إعلانية في الولايات المتأرجحة توجهت إليهم برسالة مفادها أنه إذا تم انتخاب ترامب بسبب تصويتهم ضد الديمقراطيين، فإنهم سيتحملون مسؤولية ما سيقع في الشرق الأوسط.يلاحظ هنانيا أن هذه النبرة التي حملت نوعا من التهديد أثارت غضب الناخبين العرب الأمريكيين بشدة، مضيفا أنه “بدلا من إنفاق المال بهذه الطريقة العقابية للعرب، كان على الديمقراطيين محاولة فهم هذا الاستياء ومحاولة الاستجابة له”.يعتبر طارق علي أحمد أن الناخبين العرب يواجهون معضلة يمكن أن تتخذ شكل “أزمة هوية”، حيث يرغبون في التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكنهم في الوقت ذاته مواطنون أمريكيون يسعون لاختيار المرشح الأنسب، الذي يجذبهم برنامجه الانتخابي.وحسب المتدخلين في الندوة، فإن من الهم مناقشة برامج المرشحين التي تتنوع بين قضايا الهجرة، وتغير المناخ، وخفض الضرائب، وتوفير الوظائف، بالنظر لتأثيرها على الحياة اليومية للجاليات العربية.وبغض النظر عن الخيارات التي سيتخذها الناخبون العرب والمسلمون في الولايات المتحدة، فإن التطورات الأخيرة، كما هو الحال بالنسبة للصعوبات الاقتصادية الداخلية، أظهرت أهمية تصويتهم. غير أن الأهم يتمثل، برأي الملاحظين، في تشكيل هذه الفئة لكتلة انتخابية مؤثرة من أجل إسماع صوتها على الصعيد الداخلي، وأصوات ذويهم في منطقة تشهد توترات كبيرة.