غير مصنف

البشير العبدلاوي.. الرجل الذي فقد ظله

السبت 26 مايو 2018 - 12:24

البشير العبدلاوي.. الرجل الذي فقد ظله

محمد العمراني

عندما قررت قيادة العدالة والتنمية الدفع بالأستاذ البشير العبدلاوي في منصب عمدة مدينة طنجة، عقب اكتساح حزب المصباح لصناديق الاقتراع يوم 4 شتنبر 2015 برسم الانتخابات الجماعية، فهم جميع المتتبعين للشأن المحلي بمدينة طنجة أن القرار كان رسالة واضحة من طرف الحزب، مفادها أنه حريص على نسج علاقات طبيعية و ودية مع جميع المؤسسات والهيئات ذات الصلة بتدبير شؤون المدينة (سلطات، أحزاب، نقابات، هيئات مدينة، صحافة..).

ولذلك فإن رهان حزب العدالة والتنمية على البشير العبدلاوي لم يكن اعتباطا، فالرجل صنع لنفسه مسارا سياسيا ونقابيا متميزا، جعل منه رجل التوافقات داخل الحزب، ومحط إجماع المناضلات والمناضلين، ومحاورا يحضى بالمصداقية من لدن الفرقاء السياسيين وحتى من لدن المؤسسات الرسمية..

ولعل من أفضل الخصال التي كان يتمتع بها العبدلاوي هي سعة الصدر، وقدرته العجيبة على تقبل الانتقاد، ورفضه المطلق لأي نزعة إقصائية، وإيمانه الراسخ بالبحث عن المشترك مع باقي الفرقاء السياسيين، ونبذه للغلبة والاستفراد بالقرار…

لذلك فإن انتخاب الرجل عمدة لمدينة طنجة خلق ارتياحا كبيرا في صفوف الجميع، وأباد كل التخوفات التي تولدت عقب الفوز الانتخابي الساحق والغير مسبوق..

وللأمانة، يجب الاعتراف أن البشير العبدلاوي باشر مهامه على رأس جماعة طنجة، وكله إيمان وأمل في أن يساهم من موقعه في خدمة مصالح المدينة والساكنة، واضعا نصب عينيه إنجاح أول تجربة لحزب العدالة والتنمية في تدبير شؤون مدينة طنجة، متسلحا بحيويته التي كانت لا تنضب…

اليوم، وبعد مرور ما يزيد عن سنتين ونصف من تحمله مسؤولية العمودية، لم يعد هو ذاك الرجل الذي عهدناه…

أصبح سريع الغضب، ضيِّقَ الصدر، لم يعد يطيق سماع انتقادات الخصوم، فقد قدرته على الجدال والنقاش..

ببساطة،

أصبح البشير العبدلاوي ليس هو البشير العبدلاوي…

لقد صار الرجل يراكم الأخطاء تلو الأخرى..

البشير الذي كان يستمتع بالجدال، و يجد لذته في مقارعة خصومه السياسيين، أصبح ينجر بسهولة للوقوع في فخ الاستفزاز..

العبدلاوي الذي كان حريصا على تمتين علاقته مع رجال ونساء الصحافة والإعلام، صارت له اليوم حساسية مفرطة مع كل ما ينشر عن أداء مجلس المدينة، علما أنه يدرك جيدا أن الصحافة خلقت للانتقاد، وللبحث عن النصف الفارغ من الكأس، وليس مطلوبا منها الإشادة بالنصف المملوء..

بات واضحا أن البشير العبدلاوي، وبعد سنتين ونصف من تحمله مسؤولية تدبير شؤون المدينة، قد نال منه التعب…

إنه محبط،

لقد حمل على عاتقه آمالا كبرى في أن يحقق الكثير للمدينة والساكنة، لكنه يشعر اليوم في قرارة نفسه أن الكثير من هاته الآمال يستحيل أن تجد طريقها للتنفيذ، وهو يعرف جيدا أن الآمال والنوايا الحسنة وحدها لا تكفي، بل إن الطريق إلى جهنم يكون أحيانا مفروشة بالورود!..

في تقديري المتواضع، أن العبدلاوي لم يكن محظوظا بالمرة، فالحزب لم يكن مهيئا لهذا الاكتساح، وتدبير الشأن المحلي يحتاج إلى كفاءات وأطر متمرسة ومؤهلة، لأن التدبير لا علاقة له بالمعارضة..

التدبير يحتاج إلى اقتراح الحلول للمشاكل، والمعارضة تحتاج إلى الصراخ والضرب على الطاولات!..

هناك إجماع اليوم على أن الفريق المساعد للبشير العبدلاوي في تسيير شؤون المدينة، والذي يعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة، ضعيف جدا ويفتقد للتجربة، بل إنه كان سببا مباشرا في توريطه في اتخاذ العديد من القرارات، كان بالإمكان تفاديها، وكانت لها تداعيات كارثية، أثرت على صورة الحزب أمام المواطنين من جهة، وأضعفت موقع البشير داخل الحزب من جهة ثانية، وما نتائج المؤتمر الإقليمي الأخير إلا دليل على ما نذهب إليه..

شخصيا، أشعر بالتعاطف مع هذا الرجل..

هو إنسان صدوق، لكن لسان حاله يقول: “ما باليد حلية.. العين بصيرة واليد قصيرة”..

ولذلك كثيرا ما تشعر بالبشير العبدلاوي وهو في قمة الإحراج عندما يواجهه المواطنون بعدالة مطالبهم، تحس به وكأنه يتمنى أن تنشق الأرض وتبلعه حتى لا تتواجه عيناه مع أعينهم..

وهذا دليل على صفاء سريرة الرجل، وهي من تشفع له عجزه عن تحقيق آماله وتنفيذ وعوده، وتستوجب التغاضي عن كل تقصير يكون قد ارتكبه..

الاستاذ البشير العبدلاوي..

يكفيك إصرارك ورغبتك في تحقيق الأفضل..

وفوق طاقتك لا تلام…