
محمد كويمن
الدعوة إلى المقاطعة كالدعوة إلى صلاة الجنازة، فهي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقي، هكذا ظل يراها العديد من الناس، بعدما استمر تصريف فعل قاطع إلى الأمر بالجمع (قاطعوا)، من جيل إلى جيل، منذ الاستقلال، حين كانت دعوات المقاطعة تستهدف الانتخابات أكثر من أي شيء آخر، وتتكرر في كل محطة استحقاقية، سواء كانت جماعية أو تشريعية أو دستورية، وعادة ما كان يقف وراء شعار “قاطعوا الانتخابات”، تيارات يسارية وأخرى ذات مرجعية إسلامية، إلى أن صار هذا الشعار يواجه اليوم بشعار مضاد بحمولة دينية: “صوتك أمانة”، وقد يتم تحريم المقاطعة إذا اقتضى الحال، وفق حسابات أصحاب الحال، علما أن الأغلبية الصامتة تقاطع الانتخابات دون الانخراط في حملة مقاطعتها، فقط لأن الثقة فقدت تعبئتها ورصيدها لم يعد كافيا لمخاطبة المواطن، من قبل المشاركين في اللعبة السياسية، من المتواجدين في أرضية الملعب أو من اللاعبين وراء الستار..
وإذا كانت عبارة “قاطعوا”، شكلت سلاحا فتاكا في العديد من الدول الديمقراطية، فإنها ظلت مجرد شعار بالبلدان العربية، بعدما اعتدنا على مقاطعة البضائع الأمريكية في كل مناسبة تساند فيها أمريكا حليفتها اسرائيل في عمليات قتل وإبادة الشعب الفلسطيني، وما أكثرها، ودائما يقال لنا قاطعوا كوكاكولا، بل قدموا لنا بديلا اختاروا له اسم “مكة كولا”، وفي نهاية المطاف تمت مقاطعة المنتوج البديل وانتصرت كوكا في كل شيء حتى داخل مخافر الأمن، رغم أنها غير أساسية وتضر بصحة المستهلك بشهادة الميريكان..
كما جرت العادة أن يبقى مصدر أمر “قاطعوا”، مبنيا للمجهول، وكل طرف ينسبه للآخر، ويتم تبنيه انطلاقا من نتائج حصيلة دعوات المقاطعة، لو تجاوب معها فئة عريضة من السكان، يعتبرها هواة الركوب على الأمواج انتصارا شعبيا، يعكس نضج المواطن، وفي حال فشل المقاطعة يكون الشعب في حاجة إلى الوعي وبدون تمثيلياته داخل مؤسسات الدولة لا يمكنه تحقيق مطالبه، إلا أن الأمر صار مختلفا بعدما أضحى للمقاطعة محتضنا رسميا، يتثمل في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومن غير المستبعد أن تضطر الدولة إلى رفع شعار قاطعوا الفيسبوك، أمام انتقال تدبير الشأن العام إلى مجالس الفيسبوك، حيث أصبحت هذه الأخيرة تمارس كل الاختصاصات، وتحولت إلى متنفس للتعبير عن الرأي بكل حرية، بعيدا عن الخطابات الاستهلاكية الكلاسيكية، وأيضا لها تأثير كبير ومباشر على المجتمع، إيجابيا وسلبيا في آن الوقت، وفق طبيعة اختيار زاوية المعالجة للمواضيع المطروحة للنقاش، لدرجة أن صار ما هو افتراضي واقعي، والعكس كذلك، بحثا عن الثقة، التي انتظر المواطن استعادتها بالتفاعل مع مطالبه، لكن دون جدوى..