
محمد كويمن العمارتي*
كان يبيع “البابيلات” أو “البونصات”، وكأنه يحمل ترخيصا يخول له ممارسة نشاطه بكل حرية، لدرجة أن صار معروفا لدى ساكنة المنطقة، وهم يتابعونه يوميا وهو يروج “العبرة”، ويستقبل العشرات من المدمنين في الشارع العام، فقط كان ينقصه أن يضع رقم التعريف الضريبي بنقطة البيع، بعد أن صارت تجارته “مشروعة”، ولا تثير أي استغراب.
هو مشهد من حي “مبروكة”، يعكس واقع حال مناطق عديدة بمدينة طنجة، أضحت تضم نقطا لترويج المخدرات القوية وسط دروبها وبين أزقتها، دون حسيب ولا رقيب، فقط حملات أمنية من حين لآخر، تصطدم بإكراهات الكم والكيف، وتعجز عن تحقيق الزجر المطلوب على مستوى القضاء، وتفعيل العقاب المناسب بالمؤسسة السجنية، الأمر الذي يجعل من المروجين يزاولون تجارتهم على إيقاع تبادل السلط، ويحافظون على استمرارية نشاطهم، بل وفي كثير من الأحيان يشتغلون أمام أنظار الجميع، ويعملون على إحداث نقط جديدة للبيع من أجل إنتشار واسع للغبرة، يتماشى والتحولات الكبرى التي تشهدها المدينة.
جميع المعطيات الميدانية تشير إلى ارتفاع أعداد المتعاطين للمخدرات القوية والأقراص المهيجة بطنجة، من الجنسين ومن مختلف الأعمار، وكل الأبحاث الأمنية تكشف تمركز المروجين بالتقسيط بمختلف أحياء المدينة، وكافة الجهات المسؤولة تعترف بخطورة هذه الظاهرة وتأثيرها الكبير على فئة الشباب بالخصوص، إلى جانب استغلال القاصرين من قبل المروجين، وجل قضايا السرقة والنشل واعتراض سبيل المارة يكون أبطالها من المدمنين، ومع كل هذا يسود ضمت رهيب حول محاربة هذه الآفة بحزم وبكل الفعالية المطلوبة، عبر إشراك كافة الأطراف لإيجاد حلول عاجلة من شأنها إيقاف هذا الزحف القاتل..
إنها ظاهرة ليست غريبة ولا جديدة، وكثيرا ما تحدث عنها الإعلام، وكثيرا ما اشتكت عدة فعاليات المجتمع المدني من استمرار انتشارها السريع، وكثيرا ما تمت المطالبة بإحداث مراكز لعلاج الإدمان، حين تم افتتاح مركز ببني مكادة ظل يعاني من مشاكل التسيير إلى أن افتقد لأسباب وجوده، وكثيرا ما ناشد سكان الأحياء المتضررة من ترويج الغبرة مصالح الأمن لحمايتهم من الخطر الذي يتهدد أطفالهم، وكثيرا ما ساهمت الغبرة في تبييض وجوه كبار المروجين، وكثيرا ما سمعنا عن طنجة الكبرى دون الاهتمام بهذه الآفة الكبرى..
*عن أسبوعية “لاكرونيك”