
محمد العمراني
بعد أسابيع على انطلاق حملة المقاطعة التي استهدفت ثلاث منتجات بعينها (حليب سنطرال، ماء سيدي علي ومحروقات أفريقيا)، وبغض النظر عن الخلفيات الحقيقية لمطلقي هاته الحملة على صفحات التواصل الاجتماعي، يجب الاعتراف أن الحملة لقيت نجاحا كبيرا، وشكلت رسالة مفادها أن المواطنين لم يعد بمقدورهم تحمل انهيار قدرتهم الشرائية، و صرخة لا نشك في أنها وصلت إلى من يهمه الأمر.
اليوم، وبمرور هاته المدة، نعتقد أننا في حاجة ملحة إلى تقييم موضوعي لنتائج هاته المقاطعة، وما إذا كانت قد حققت الأهداف المرجوة منها؟!..
لا يهمنا اليوم مآل مقاطعة ماء سيدي علي ومحروقات أفريقيا، لأنها مقاطعيهما هم في أغلبيتهم الساحقة من الطبقات المتوسطة والشركتين لهما القدرة على تدبير أمرهما، بقدر ما يهمنا الإلمام بالتداعيات السلبية لمقاطعة حليب سنطرال، بالنظر للخصوصية الاجتماعية التي تميز سلاسل إنتاج الحليب المرتبطة بهاته الشركة.
فشركة “سنطرال دانون” تعتبر هي مصدر الدخل الوحيد لأزيد من 120 ألف فلاح منتج للحليب، أغلبهم من صغار الفلاحين، ومنتظمين في عشرات التعاونيات الفلاحية، ناهيك أن الشركة تشغل أزيد من 6000 مستخدم، بما يعني أن أزيد من 500 ألف مواطن مغربي يرتبط معيشه اليومي بهاته الشركة.
الحقيقة التي لا يمكن حجبها بالغربال، هي أن المقاطعة أضرت بشركة معينة، وضخت بالمقابل المزيد من الأرباح في جيوب شركات منافسة، والمصيبة أنها تبيع الحليب بنفس الثمن، بل إنها لم تعمد إلى تخفيضه تجاوبا مع مطالب المقاطعين، مما يطرح سؤالا عريضا يحتاج إلى الإجابة: لماذا شركة سنطرال بالتحديد؟! ..
الشجاعة تقتضي الاعتراف بأن النتيجة الوحيدة المحققة بعد أسابيع من المقاطعة هي تشريد ألف أسرة، وضرب أرزاق 120 ألف أسرة بالعالم القروي، معظمها يعولها فلاحون صغار..
إنها مأساة بكل ما تحمله من معاني، تدفع كل ذي عقل حصيف ليسائل نفسه ونحن في هذا الشهر الفضيل، من سيتحمل وزر تشريد آلاف الأسر، ذنبهم الوحيد أنهم مصدر رزقهم مرتبط بهاته الشركة؟!!..
إن القضية لم تعد مرتبطة بجنسية الشركة، ولا في هامش الربح الذي تجنيه، ولا في سيطرتها على حصة معتبرة من السوق، ولا حتى في الآثار السلبية لهاته المقاطعة على تدفق الاستثمارات الأجنبية على بلادنا، التي بدأت تتوجس من القدوم للمغرب بسبب هذا الذي يقع!..
القضية اليوم أصبحت مرتبطة بمصير آلاف الأسر، التي فقدت مصدر دخلها الوحيد، وباتت على شفا حفرة من الضياع…
رجاء لا تجعلوا من المقاطعة سيفا لقطع أرزاق المواطنين البسطاء، ومن له القدرة على تحمل وزر تشريد هؤلاء الضحايا فليعلنها أمام الملأ..
وعلى الذين رأوا في المقاطعة فرصة سانحة لتصفية الحساب مع جهات يحملونها مسؤولية استهدافهم، فليتذكروا أن مصلحة الوطن والمواطنين أسمى وأبقى..