
حاوره:يوسف الحايك
جنبا إلى جنب مع زملائه من الأطر الصحية، يوصل سفيان القريعي، التقني بقسم الفحص بالأشعة بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان الليل بالنهار، في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
في هذا الحوار يتقاسم سفيان مع “طنجاوي” تجربته التي يصفها بالاستثنائية بعد أسابيع من انخراطه ضمن الصفوف الأمامية في مواجهة هذه الجائحة.
– كيف تعيش هذه التجربة الاستثنائية على المستوى المهني والشخصي؟
هي تجربة استثنائية، ستفيدنا جدا في إغناء تجاربنا ومعارفنا وسنضيفها إلى سيرتنا المهنية؛ فرغم أننا تلقينا دروسا نظرية في علم الأوبئة في معاهد تكوين الأطر الصحية، لكن لم يكن أحد يتصور أن نعيش هذا السيناريو الهوليودي، خاصة أن تكون في الصف الأمامي للمواجهة، وحتى في الماستر الذي درسته حول السلامة البيولوجية والوقاية من الأشعة لم نكن نركز على الأوبئة بهذا الحجم وكيفية التعامل معها.
المهم بالنسبة لي وكإطار يشتغل بقسم الأشعة بالمستشفى الإقليمي بتطوان رفقة فريق جميل من تقنيين متخصصين في الفحص بالأشعة، وأطباء أخصائيين ورجل الأمن الخاص الخدوم “الرايس” والمنظفات فإننا نقوم بعمل كبير ومنظم ونعيش تجربة فريدة يطبعها الخطر والحذر.
وأظن أننا كنا من بين الأقسام الأولى في المغرب التي اتخذت قرار المساهمة في تشخيص المرض عن طريق إجراء الفحوصات المقطعية (سكانير) للحالات المشتبه فيها، دون الاقتصاد فقط على نتائج تحاليل الكشف التي تطول أحيانا مدة التوصل بنتائجها حيث بلغت أحيانا إلى ثمان وأربعين ساعة، نظرا للضغط الذي كانت تعرفه المختبرات الثلاثة بالرباط والدار البيضاء وبعد المسافة أيضا.
وهو شيء نسعد بتقديم رغم مخاطره، خاصة حين نكتشف إصابات شبه مؤكدة كان يمكن أن يتم تجاهلها و تخالطَ أُناساً كُثر لولا الفحص بجهاز سكانير.
–كيف تتعامل مع المخاطر التي تواجهونها في ظل انتشار الفيروس؟
لست من النوع الذي يحتقر تهديدا ما، وبالمقابل لست ممن يبالغون في الهلع من هذا الفيروس، لأن الهلع لا يفيد في شيء بل قد يعطي نتائج عكسية لأنه قد يؤدي للارتباك والوقوع في الأخطاء.
لذلك فأنا أواجهه بالرصانة وبتطبيق كل معايير السلامة اللازمة واتخاذ الوسائل الوقائية الضرورية دون تفريط.
–ماذا عن تفاصيل ساعات العمل الطويلة بعيدا عن الاسرة والعائلة؟
يقتصر التواصل مع الأسرة عبر تطبيقات التواصل عبر الفيديو فقط ليطمئن الجميع على سلامتي، لكنني بصراحة معتاد على البعد.
وبما أنني أقطن لوحدي فمعاناتي تتجلى في افتقاد جو الحرية العام وصخب الحياة.
أفتقد أيضا جلسات الأصدقاء، والأنشطة الرياضية التي نفرغ فيها عادة كل ضغط العمل.
لكن إن سألتني عن معاناة زملائي، الذين يقيمون مع أسرهم فهي مضاعفة، فأغلب الأطر الصحية تعيش في شتات، وعزل عن أسرهم منذ أكثر من شهر، يقيمون في فنادق المدينة بعيدا عن حميمية الجو الأسري المعتاد وملاعبة أطفالهم، ومساعدتهم في المذاكرة… إلخ.
والمؤسف أنهم لا يعلمون إن كانوا سيعودون إلى بيوتهم بعد هذا الشهر الثاني أم سيكون هناك تمديد آخر.
– معلوم أن القطاع الصحي يعرف جملة من النقائص والمشاكل، إلى أي حد تواجهون هذه الجائحة في ظل هذا الوضع؟
منذ عدة سنين ونحن نُحذِّر من خطورة تهميش المستشفى العمومي و”رفع اليد عنه” لأنه صمام أمان أي دولة، ومنقذها من الكوارث لكن مطالبنا كان يتم تجاهلها دائما.
اليوم، مع هذه الجائحة التي فضحت المستور، الكل استفاق من سباته على واقع هزيل، وبنية تحتية هشة، نَبَّهنا لها وناضلنا من أجل تحسينها منذ سنين، لذلك نرى الآن أن الدولة تستنجد بالمتطوعين والمتقاعدين لتدعيم صفوفها، ومن حسن حظنا أن الأطر الصحية المغربية اعتادت العمل تحت الضغط والاكتظاظ، ومن الإيجابي أيضا، أن الحجر الصحي وتوقف الحركة بالشارع، ساهم بشكل كبير في تقليل عدد المرضى وضحايا الحوادث، إذ نُكرِّس اليوم كل طاقتنا لعلاج المصابين بفيروس كوفيد.
كما نحاول قدر الإمكان تقليل عدد العاملين في كل فترة حراسة حتى يكون دوما هناك، وبلغة كرة القدم التي افتقدناها، لاعبين في الميدان وآخرين في مقعد البدلاء للتعويض في حالة إصابة أي إطار صحي على رقعة الميدان.
أما عن الإمكانيات التقنية، ووسائل الحماية الخاصة، ومواد التعقيم فكانت شحيحة في الأسبوعين الأولين لكنها اليوم متوفرة بشكل كاف لحماية كل العاملين بالمستشفى، وهذا يرجع بالأساس لنجاعة العمل الذي يقوم به قسم الصيدلة الذي يقوم بدور رائع في تحضير بعض المُعقمات، والمستلزمات في المختبر وتدبير المخزون بشكل عقلاني.
ـ ما الذي يميز مدينة تطوان عن باقي المدن الأخرى؟
أعتقد أننا محظوظون بالعمل في ظل هاته الازمة بمدينة تطوان، لأننا لحد الآن نتحكم في الأزمة ونسايرها؛ إذ أننا لم نتعرض لهجوم مئات المرضى في وقت ضيق، كما حدث في مدن و دول أخرى، وهو الذي يؤدي إلى اكتظاظ المستشفيات، وعدم القدرة على التكفل بهم. بل وفدت علينا الحالات قطرة-قطرة مما أعطى لإدارة المستشفى، وباقي المسؤولين المجال، والوقت لمجاراة الأزمة “نَقلةً بنقلة” كما في لعبة شطرنج، وتوفير الإمكانيات من تجهيز لأقسام جديدة، وصيانة بعض المعدات، وتدارك بعض هفوات الانطلاق، وهذا طبيعي؛ لأننا جميعا نتعلم اليوم ونتكون “تحت نيران العدو”، والنتيجة ظاهرة اليوم، نسبة الشفاء مرتفعة بالاقليم، وأغلب المرضى راضون عن الخدمات التي تلقونها سواء أكانت حالتهم سلبية أم إيجابية.
– ماذا تشكل بالنسبة لك حالة التعاطف المجتمعي مع الأطر الصحية؟
لا يمكن لأي عامل كيف ما كان عمله؛ سواء أكان فلاحا، أو معلما، أو مهندسا، أو طباخا، إلا أن يفرح ويتفانى في عمله أكثر، عندما يجد من يُقدّر عمله وتضحيته، وهذا ما افتقدناه في قطاع الصحة لسنين عدة.
مَن منا لم يتأثر أو يذرف دمعا وهو يشاهد ذلك الفيديو الرائع الذي يستقبل فيه سكان عمارة اسبانية، جارتهم الممرضة وهي عائدة من مداومة عملها، تخيَّل معي معنويات تلك الممرضة وحيويتها، التي ستكون مرتفعة بلا شك، حين تعود صباح اليوم الموالي لمواجهة هذا المرض، تصور معي معنويات أي عامل وهو يخرج من عمله تحت التصفيق، أليس هذا محفزا على العطاء؟.
بكل صراحة، قبل هاته الجائحة كنا نقدم خدمات أكبر، مما نقدمه اليوم كمّاً و كيفاً، لكننا كُنا نواجه بجحود ونكران، لأن المواطن يُحَمِّل الأطر الصحية التي يجدها أمامه مسؤولية تردي الأوضاع والاكتظاظ وطول المواعيد، بينما المسؤولية تتحملها الدولة التي تخلت عن التوظيف وتوسيع البنيات التحتية بصفة خطيرة.
– كلمة أخيرة
لا يسعني في الختام إلا الإشادة بكل المتطوعين، ابتداء من ببعض الممرضين الشباب الذين قدموا من مستشفيات الفنيدق والمضيق، و ممرضي ومساعدي التمريض من مصحة الهلال الأحمر، وأحد أطباء الأمراض التنفسية الذي يعمل بالقطاع الخاص، وأيضا بعض الممرضين المتقاعدين الذين تطوعوا جميعا ومن تلقاء أنفسهم لتعزيز مجهودات زملائهم بالمستشفى الإقليمي بتطوان، وهذا يجعلني فخورا أكثر من أي وقت مضى بمهنتي وبالقطاع الذي أنتمي إليه.
ونتمنى من الدولة أن تتدارك أخطاءها و تبتعد عن أخطاء المدرسة الفرنسية، وتعطي أهمية اكبر للقطاع، فالمواطن المغربي يستحق خدمات أرقى وأجمل.
كما نسعد أيضا بهاته الالتفاتة الإعلامية الجميلة التي تدعم الأطر الصحية في هاته الفترة وتظهر مجهوداتها.