
انطلقت جلسات مناقشة قضية الصحراء المغربية ضمن أشغال اللجنة الرابعة للأمم المتحدة بنيويورك، بمشاركة وفد يمثل الأقاليم الجنوبية للمملكة، يضم منتخبين محليين وفاعلين مدنيين وحقوقيين. وتميزت الجلسة بمداخلات سلطت الضوء على التحولات التنموية والمؤسساتية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، وعلى المشاركة الفاعلة لساكنتها في مختلف الاستحقاقات الوطنية.
وفي مستهل الجلسة، أكد محمد أبا، عضو مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، أن أبناء الصحراء المغربية يدبرون شؤونهم المحلية عبر مؤسسات منتخبة بطريقة ديمقراطية، تعبيراً عن انخراطهم الكامل في المشروع الوطني والتشبث بالوحدة الترابية. وأوضح أن الأقاليم الجنوبية شهدت تحولات كبرى منذ استرجاعها سنة 1975، بفضل الرؤية الملكية التي جعلت من التنمية المستدامة وكرامة المواطن ركيزتين أساسيتين.
وأشار أبا إلى أن المشاريع المهيكلة، مثل الطريق السريع تيزنيت–الداخلة، تمثل نموذجًا للتحول التنموي في المنطقة، مضيفًا أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية موّلت خلال عام 2025 أزيد من 167 مشروعًا بجهة العيون فقط، بغلاف مالي تجاوز 36 مليون درهم.
كما أبرز أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة لسنة 2021 بلغت 66.94% في الأقاليم الجنوبية، وهي أعلى نسبة على المستوى الوطني، ما يجسد عمق الانتماء الوطني والثقة في المؤسسات. وفي السياق ذاته، ذكّر بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007، واصفًا إياها بأنها مبادرة واقعية وذات مصداقية.
وفي مداخلتها، شددت الغالية باهية، عضوة مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، على أن جهة الداخلة تحولت إلى قطب اقتصادي ناشئ بفضل الاستثمارات الضخمة في مجالات البنى التحتية والطاقة المتجددة واللوجستيك. وأوضحت أن مشاريع الجهة تواكب التوجه الاستراتيجي للمغرب نحو تعميق روابطه الإفريقية، مؤكدة أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل إطارًا عمليًا لإنهاء النزاع بشكل دائم ومستدام.
أما نبغوها دويهي، فاعلة جمعوية من مدينة العيون، فقد سلطت الضوء على دور المجتمع المدني بالصحراء المغربية في مواكبة الدينامية التنموية والدفاع عن الحقوق والحريات، مشيرة إلى الأوضاع المأساوية في مخيمات تندوف وغياب أي رقابة أممية على أوضاع المحتجزين. وأكدت أن المشاريع الكبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، أحدثت نقلة نوعية في حياة المواطنين، خصوصًا النساء والشباب، بفضل الجهوية المتقدمة وإشراف المنتخبين على تنفيذ البرامج التنموية.
الجلسة عرفت أيضًا توترًا بعد تدخل إحدى المؤيدات للأطروحة الانفصالية، حيث تجاوزت نطاق النقاش وهاجمت بشكل مباشر رموز الدولة المغربية. في رد حازم، تدخلت نائبة المندوب الدائم للمملكة، ماجدة موتشو، للتأكيد على رفض المملكة أي مساس بسيادتها أو مؤسساتها، مشددة على أن الجلسات الأممية ليست ساحة للتهجم أو الدعاية العدائية.
الرد المغربي أثار تفاعلاً سريعًا، حيث طالبت الجزائر بتطبيق مقتضيات النظام الداخلي لتفادي تعدد نقاط النظام، فيما دعت جنوب إفريقيا إلى احترام التعدد في الآراء. من جانبها، شددت رئيسة اللجنة على ضرورة الالتزام بموضوع النقاش واحترام الأعراف الأممية.
وفي ظل هذه التفاعلات، واصل الوفد المغربي تقديم معطيات دقيقة وموثقة حول مسار التنمية والاستقرار في الأقاليم الجنوبية، في مقابل تمسك الأطراف الأخرى بخطاب تقليدي لم يعد يجد الصدى نفسه داخل أروقة الأمم المتحدة، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدعم الدولي المتزايد للمقترح المغربي.