أخبار سياسية

السبت 27 يونيو 2015 - 22:01

محمد العمراني

التحقيقات التي باشرها الجهاز القضائي التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST، أفضت إلى حجز أزيد من 600 طن من المواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، كانت معدة لترويجها في الأسواق خلال رمضان الأبرك..

كميات مهولة بالتأكيد، ولا شك أن الأمر أخطر من ذلك بكثير، ومن المؤكد أن الإعلان عن توقيف العديد من المتورطين دفعت آخرين إلى التخلص من السلع الفاسدة، مخافة وقوعها في قبضة الأجهزة الأمنية…

الكشف عن توظيف عائدات بيع السلع الفاسدة لدعم داعش، ولتمويل أنشطة إرهابية، وإن كان يكتسي خطورة كبيرة، ويعري التشابكات التي يمكن أن يتخفى وراءها أخطبوط الجماعات الإرهابية،  فإن الأخطر من ذلك كله هو انكشاف حقيقة صادمة: الانهيار الشامل لمنظومة حماية الأمن الصحي للمغاربة.

منذ سنوات ونحن المغاربة نتابع، ببلادة غريبة، بلاغات الحكومة عبر تلفزتنا الرسمية، عند مستهل كل رمضان، وهي تعلن فتوحاتها للشعب المغربي…

الحكومة الموقرة تبشر سنويا عموم الشعب المغربي بحالة الاستنفار القصوى التي اتخذتها أجهزة مراقبة جودة وسلامة المنتجات الغذائية، وأن جنودها قد انتشروا في كل شبر من ربوع الوطن، للتصدي لكل من تسول له نفسه العبث بصحة المواطن…

وعند مغرب كل يوم تقصفنا ذات التلفزة بصور اللجان الإقليمية، وهي تغادر مبنى العمالة لتنفيذ غزواتها اليومية على الأسواق والمحلات التجارية، تحت أنظار “الكاميرا شاعلة”، والمسؤولون يتسابقون للإعلان  عن غنيمتهم اليومية، من حجز وغرامات…

لكن…

فجأة ومن دون مقدمات، وبفضل بركات FBI المغربي، نكتشف أن معظم المنتجات الغذائية التي تُعرض بالأسواق لا تخضع للمراقبة، وأنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي…

شبكات منظمة متخصصة في إدخال سلع منتهية الصلاحية إلى المغرب، دون أن تطلها أجهزة المراقبة عبر الحدود…

مافيا تتوزع عبر مختلف مناطق المملكة، متخصصة في تزوير تواريخ صلاحية المنتجات الغذائية، وإعادة طرحها في السوق رغما عن أعين كل أجهزة المراقبة، التي يحلو لها أن تستيقظ من سباتها عند مستهل كل شهر رمضان، لتستعرض عضلاتها أمام كاميرات التلفزة، التي تعرف متى تشتعل، ومتى تطفئ أنوارها…

فجأة وبدون مقدمات…

سقطت كل مساحيق الدعاية بوجود أجهزة لا تنام، مهمتها الأساس السهر على حماية صحة المواطنين:

المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية التابع لوزارة الفلاحة…

يا سلام..

مصلحة الشؤون الاقتصادية بالعمالات والأقاليم التابع لوزارة الداخلية…

الله أكبر…

مكاتب حفظ الصحة التابعة للجماعات المنتخبة…

يا من لا يعرفها…

مصلحة مراقبة المواد الغذائية عند النقط الحدودية التابعة لوزارة الفلاحة…

يييه نعام آسي..

كلها أجهزة اتضح أنها من ورق…

وأن علمها، المفروض أن يكون ميدانيا، تم تعويضه بتدبيج تقارير لا علاقة لها بما يجري على أرض الواقع، تُتلى عل مسامعنا في نشرات الأخبار…

ما وقع فضيحة بكل المقاييس، لا ينبغي أن يتم التعاطي معها بنوع من الاستسهال…

ولو وقعت في دولة بها حكومة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها، لطارت فيها رقاب، ولَتمَّ إحالة كل مسؤولي أجهزة المراقبة على التحقيقات، تنزيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة…

إن أخطر استنتاج يمكن الخروج به من هاته المصيبة، هو أن الفساد استشرى في جميع بنيات الإدارات والمؤسسات…

لقد صار من اليسير جدا إدخال أي بضاعة، أي سلعة، أي قطعة سلاح عبر حدود المملكة…

 فقط يجب أن تدفع “السير ليسير”…

وكل شيئ بثمنه…

ما وقع يجب أن يحدث زلزالا حقيقيا في مؤسسات الدولة…

وما لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة و فورية لوقف وباء الفساد والرشوة، فإن البلاد ستتعرض لا محالة ل “تسونامي” لا يبقي ولا يذر….