غير مصنف

شيئ ما لا يبعث على الإطمئنان..

الأحد 14 يناير 2018 - 16:59

شيئ ما لا يبعث على الإطمئنان..

محمد العمراني

كشفت الاحتجاجات التي تندلع، بين الفينة والأخرى، في أكثر من منطقة، على امتداد تراب المملكة عن وجود أشياء ليست على ما يرام بهذا الوطن، ولا تبعث على الإطمئنان..

ورغم تباعد المناطق التي خرج بها المواطنون للإحتجاج، فإن المطلب يكاد يكون موحدا:

“كفى من التهميش.. نريد توزيعا عادلا لخيرات هذا الوطن الذي يسعنا جميعا”..

يجب الاعتراف أن المغاربة اليوم أصبحت لهم حساسية مفرطة تجاه الهوة السحيقة التي باتت تفصل بين مناطق محدودة تتوفر على البنيات التحتية الضرورية من طرق وشبكات الإنارة والماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي، ومناطق صناعية، وجسور وقناطر..، وتعرف حركية اقتصادية دؤوبة، و بها مؤسسات اجتماعية توفر الحد الأدنى من خدماتها للمواطنين، فيما مناطق شاسعة تكاد تكون محرومة من كل شيئ!…

المغاربة باتوا رافضين بالمطلق هيمنة عدد محدود من الأسر على ثروات الوطن، فيما فئات واسعة عاجزة عن ضمان قوت يومها!..

لم يعد مقبولا في مغرب 2018 أن يتنافس أبناء الذوات على اقتناء السيارات الفارهة على شاكلة: (فيراري، لامبورغيني، ماكلارين، رولس رويس، بوغاتي، بورش..)، لإشباع نزواتهم المريضة، واستعراض عضلاتهم بشوارع المملكة، واستفزاز مشاعر الشباب المحروم من أبسط مقومات العيش الكريم، فيما ملايين الأطفال لا يجدون تعليما عموميا في المستوى، ومئات الآلاف من الأسر عاجزة عن توفير مصاريف التطبيب والتمدرس لأبنائها!..

الشعب لم تعد لديه القدرة على التطبيع مع الفساد الذي ينخر الإدارة المغربية،

ولم يعد قادرا على تقبل الإحساس بالحكرة و الإهانة من طرف كل من يتحمل مسؤولية ما..

ولم يعد قادرا على التعايش مع مظاهر الاغتناء الفاحش في صفوف المسؤولين الإداريين والمنتخبين، الذين باتوا يرفلون في النعيم، بعد أن كانوا لا يجدون قبل تحملهم المسؤولية!..

لم يعد لدى المغاربة أي استعداد للصمت على استمرار أسلوب اللاعقاب في التعاطي مع الفاسدين، وبات تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والضرب على أيدي كل من تبث تورطه في الفساد، على رأس أولياتهم ومطالبهم..

لقد وصل السكين إلى العظم، ووصل السيل الزبى..

عندما يضطر المواطنون للخروج إلى الشارع من أجل التعبير عن مطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة، فلأن القائمين على تدبير شؤونهم (إداريين، منتخبين، حزبيين…) أصبحوا عاجزين عن القيام بالمهام الموكولة إليهم..

المسؤول الناجح هو الذي يستبق المشاكل، ويجيد الإنصات، ويبدع في إيجاد الحلول قبل انفجار الأوضاع..

المسؤول الناجح هو الذي لا يختبئ وراء القانون، ويتحجج بعدم تلقيه التعليمات ليبرر عجزه عن التجاوب مع مطالب المواطنين..

المسؤول الفاشل هو ذاك الذي يتخندق في مكتبه المكيف، ولا يخرج إلى الناس ليتعرف عن قرب على معاناتهم ومشاكلهم اليومية، ولا يخضع المصالح التي هو مسؤول عن تتبع أدائها للمراقبة…  

إن أخطر ما يتهدد المغرب اليوم هو هذا الإحساس بالظلم، و بالغبن، و بالتهميش والإقصاء الاجتماعي،  الذي بدا يتملك مشاعر فئات عريضة من أبناء الشعب…

ليس هناك ما هو أخطر على السلم الاجتماعي من استفحال الفساد في الإدارة والمؤسسات المنتخبة، والمصيبة غياب إي إرادة حازمة لمحاسبة المتورطين…

وعندما تفشل الدولة في التعاطي الموضوعي متطلبات المواطنين، وإيجاد الحلول الملائمة لمشاكلهم، أو على الأقل التواصل معهم بالوضوح والصراحة، تتسلل الشياطيين لنفث سمومها، والبحث عن موطئ قدم لها لزعزعة استقرار الوطن، ولكم في الحسيمة خير مثال لمن لا يعتبر..

ملك البلاد أعلن بجرأة قاسية عن فشل النموذج التنموي ببلانا، معتبرا بأنه أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي، وقال بصريح العبارة:

“المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية التي يطمح إليها كل مواطن، كما يتطلعون إلى تعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية”.

أتساءل بكثير من الاستغراب والاندهاش والحيرة:

ما الذي ينتظره القائمون على شؤون البلد بعد هذا الذي قاله ملك البلاد؟..