
محمد كويمن
حين تم اقتراح إضافة الحسيمة إلى جهة طنجة تطوان، كان الهدف انتخابيا أكثر من أي شيء آخر، على الأقل هذا ما تبين من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة، بعدما تم تقديم هذه الوصفة لتقليص حجم النفوذ الانتخابي لحزب المصباح بالجهة، باعتبار ما كان ظاهرا للعيان آنذاك أن حزب التراكتور لا ينافسه أحد بالحسيمة، في الوقت الذي صار حزب المصباح يسيطر على مركز الجهة طنجة ونواحيها، وبالتالي من أجل إعادة التوازن الانتخابي بهذه الجهة، تم توظيف الحسيمة لإتاحة الفرصة للتراكتور للتنافس على قيادة هذه الجهة، وفق حسابات انتخابية، سرعان ما انكشفت حقيقة مراميها مع إعلان النتائج وتوزيع المناصب، ليسود بعد ذلك فراغ قاتل، ظل يترصد ضحاياه في أي لحظة، في غياب تلك المعطيات التي من شأنها تفسير شكوك السكان لفائدة المسؤولين..
ومع استمرار هذا الفراغ، بعدما اختفت خطابات السياسيين، كانت الفرصة مناسبة لظهور “زعماء” جدد، يتحدثون بجرأة غير معتادة عن مطالب السكان الاجتماعية، التي كانت إلى وقت قريب ضمن برامج الحملات الانتخابية للأحزاب المتنافسة على مقاعد الجهة،وهو ما أحرج من كانوا يعتقدون أن بيدهم الحل والعقد، وبدنوهم لا تسير القافلة ولا تنبح الكلاب، لتكون الصدمة غير متوقعة، في غياب رد فعل سريع مناسب وفعال، بعدما صار الاحتجاج ينمو أكثر وأكثر ككرة الثلج، وأضحى خارج السيطرة، في الوقت الذي انضاف الصمت إلى الفراغ، وأصبح التحكم في حاجة إلى الحكمة لتجاوز أزمة الثقة..
مثل هذا الوضع، كان من الطبيعي، أن يستغله كل طرف لتصفية حساباته مع “خصومه” بالشكل الذي يراه مناسبا وفي صالحه، كما أعاد من جديد مصطلحات “الفتنة” و”التخوين”.. إلى الواجهة، وأكثر من ذلك تم جعل الوطن فوق صفيح ساخن، عوض شعار الوطن فوق الجميع، ودخل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في نقاشات لا تخلو من السب والشتم، وظهر فجأة “مناضلون بالجملة”، وصار الصراع مفتوحا على مصراعيه بين دعاة التأجيج ودعاة التهدئة، ولم يعد هناك من يتحدثون عن أصل الاحتجاجات المشروعة حول المطالب الاجتماعية، هل تم الاستجابة لها وما هي أجندة تفعيلها على أرض الواقع؟، ومدى حرص الدولة على احترام القانون في تعاملها مع هذه الأحداث؟، لأن تحالف الفراغ والصمت، أفسح المجال للمنافقين وهواة ركوب الأمواج، بعدما أبعد المحاسبة عن المسؤولية، في معادلة مبهمة حالت دون معالجة أصل الداء وكشف الحقيقة بإنصاف ملموس ومصالحة واقعية، بعيدا عن الحسابات الملغمة..