
أمضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول مائة يوم من ولايته في إصدار عدد كبير من الأوامر التنفيذية، وتقليص حجم الحكومة الفيدرالية، ومحاولة إعادة تشكيل دور الولايات المتحدة عالميًا، غير أن تحقيق تقدم فعلي في تنفيذ أجندته الداخلية يبدو مرهونًا بتوحيد صفوف الجمهوريين داخل الكونغرس، الذين تنقسم مواقفهم بشأن العديد من الملفات الحيوية.
في مذكرة موجهة إلى المستثمرين، وصف ستيفن دوفر، رئيس معهد فرانكلين تيمبلتون، هذه الفترة بأنها “سريعة ومؤثرة”، مشيرًا إلى أن التحدي الأكبر يبدأ الآن، مع الانتقال من إصدار القرارات إلى معركة تمرير التشريعات، لا سيما تلك المرتبطة بالضرائب وتقليص العجز.
أوامر تنفيذية واسعة… بحدود واضحة
خلال الأشهر الثلاثة الأولى، استخدم ترامب سلطاته التنفيذية بكثافة غير مسبوقة، حيث وقع أكثر من 140 أمرًا رئاسيًا شملت ملفات الهجرة، والقيم الثقافية، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية داخل المؤسسات الفيدرالية. إلا أن حدود السلطة التنفيذية برزت سريعًا، إذ أن العديد من هذه الأوامر تعرض للطعن القانوني، وتوقفت بعضها بأحكام قضائية.
ويرى محللون أن التأثير العميق والدائم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مناورات سياسية ناجحة تفضي إلى بناء توافق تشريعي، وهو أمر لم يكن ضروريًا في المرحلة الأولى، لكنه سيكون حاسمًا في المراحل القادمة.
سجل متباين وتشريعات مؤجلة
ورغم بعض الاتفاقات الدولية المهمة التي تحققت خلال ولايته، مثل “اتفاقات أبراهام” واتفاقية تجارية معدلة مع كندا، فإن محاولاته لإلغاء قانون الرعاية الصحية المعروف بـ”أوباما كير” باءت بالفشل، رغم تصدره أجندته.
كما لم تثمر القمم مع كوريا الشمالية عن نتائج ملموسة، فيما فشل الكونغرس في إقرار أكثر من خمسة مشاريع قوانين في تلك الفترة، وهو عدد يعد من الأدنى في التاريخ الحديث.
انقسامات جمهورية وتأزم تشريعي
تواجه أجندة ترامب عراقيل كبيرة داخل حزبه، حيث تتطلب خططه الاقتصادية، التي تتضمن تخفيضات ضريبية ضخمة بقيمة تريليونات الدولارات، توافقًا شبه تام من الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ. المحافظون يشترطون تقليص الإنفاق العام، بينما يرفض المعتدلون المساس ببرامج الرعاية الاجتماعية مثل “ميديكيد”.
وفي هذا السياق، أشار المستشار السياسي السابق في مجلس الشيوخ، أندرو كونيشاسكي، إلى أن الفترة القادمة ستكون “أكثر صعوبة بكثير”، موضحًا أن “الرياضيات التشريعية” هي العامل الحاسم، وأن تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة داخل الحزب الجمهوري سيكون تحديًا كبيرًا.
ضغوط الزمن والمقاومة الديمقراطية
مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي في 2026، يواجه ترامب ضغوطًا متزايدة لإنجاز ما تبقى من أولوياته، مستفيدًا من آلية “المصالحة” في مجلس الشيوخ، التي تتيح تمرير بعض القوانين دون دعم من الحزب الديمقراطي، في حال استوفت شروطًا معينة.
لكن في ظل وصف المعارضة لأجندته بأنها “غير عادلة” و”مناقضة للمبادئ الأميركية”، والاستعداد لبذل كل الجهود لعرقلتها، يبدو أن الرئيس الأمريكي أمام مرحلة تشريعية دقيقة قد تحدد مصير مشروعه السياسي بالكامل.