
في الذكرى الثانية والعشرين لأحداث 16 ماي 2003 التي هزت مدينة الدار البيضاء، سلط باحثون مغاربة الضوء على الاستراتيجية الشاملة التي تبنتها المملكة في أعقاب تلك الهجمات الإرهابية، مؤكدين أنها شكّلت نقطة تحول مفصلية في مسار مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التطرف، من خلال مقاربة متعددة الأبعاد تجمع بين الأمن، والتربية، والدين، والتنمية، والتشريع.
وأكد الباحثون أن مرور أكثر من عقدين على هذه الفاجعة يُبرز التطور الملحوظ الذي حققته المملكة على المستوى العملي، لا سيما في التصدي للفكر المتشدد وتفكيك الخلايا الإرهابية، ومواجهة خطر “الذئاب المنفردة”، بفضل سياسة استباقية فعالة نالت إشادة واسعة على الصعيد الدولي، واعتُبرت نموذجاً يحتذى في المجال الأمني.
مقاربة أمنية وروحية متكاملة
خالد التوزاني، الباحث في الفكر الديني ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أوضح أن المملكة شرعت منذ سنة 2003 في تنفيذ خطة مستعجلة للحد من استقطاب الشباب من قبل التنظيمات المتطرفة، مشيراً إلى أن المغرب أصبح اليوم من بين الدول الرائدة في تبني استراتيجية بعيدة المدى وشاملة، تقوم على تأهيل الحقل الديني، وتطوير مناهج التعليم، وتنظيم عمل الأئمة والمرشدين الدينيين.
وأضاف أن هذه الرؤية الاستراتيجية أسهمت في بناء نموذج متكامل يعزز الأمن الروحي والثقافي، ما جعل المغرب فاعلاً دولياً يُستعان بخبراته في هذا المجال، بعد أن أثبت فعاليته في تجفيف منابع التطرف والقضاء على مظاهر الغلو في وقت مبكر.
مواجهة التطرف بشتى أشكاله
من جهته، شدد الأكاديمي المتخصص في الفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، على أن المغرب راكم منذ تلك الأحداث خبرة واسعة في مواجهة التهديدات الإرهابية والتطرف الديني، دون أن يتحمل المجتمع كلفة اجتماعية أو سياسية، بفضل سياسة استباقية فعالة جنّبت البلاد العديد من الأزمات.
وأشار الكنبوري إلى أن نجاح المغرب في محاربة التطرف لم يقتصر فقط على البعد الأمني، بل شمل أيضاً إعادة هيكلة الحقل الديني، وتوسيع المجالس العلمية، وإصلاح منظومة التعليم، إلى جانب تعزيز الشراكات مع عدد من الدول الإفريقية والأوروبية، في إطار تبادل الخبرات والتجارب.
وفي هذا السياق، نبه الباحث ذاته إلى ضرورة الانتباه لتنامي ما وصفه بـ”التطرف غير الديني”، الذي يستهدف ثوابت الدولة ويتستر خلف شعارات محاربة الغلو، داعياً إلى اعتبار الذكرى محطة وطنية للتأمل واستخلاص الدروس، والتأكيد على أن جميع أشكال التطرف تخدم بعضها البعض، وتقتضي مقاومة شاملة ومتوازنة.
خلاصة
تؤكد هذه الذكرى المؤلمة أن المغرب اختار منذ البداية نهجاً شاملاً وغير محدود زمنياً لمواجهة خطر التطرف والإرهاب، وهو ما مكنه من بناء نموذج وقائي واستباقي يحظى باحترام واسع، ويُعد مصدر إلهام إقليمي ودولي في مجال صناعة السلم وتعزيز الأمن المجتمعي.