
محمد العمراني
ما من شك في أن الجريمة بطنجة وصلت مستويات قياسية، حيث صار الإحساس بانعدام الأمن مسيطرا على نفسية الساكنة، وصار الحديث عن تفشي الجريمة حاضرا في أحاديث الناس اليومية…
لن نستفيض في تحليل الأسباب…
هناك أسباب موضوعية، تتعلق أساسا بالنمو الاقتصادي المتسارع الذي تعرفه المدينة منذ ما يزيد عن 15 سنة، جعلها ضمن كوكبة المدن العالمية الصاعدة…
مشاريع اقتصادية عملاقة، استقطاب استثمارات عالمية، تأهيل شامل للبنيات التحتية..
زحف غير مسبوق لآلاف المواطنين الباحثين عن الشغل، والحالمين بفرصة العبور نحو الضفة الأخرى…
كل هذا التوافد المكثف على المدينة لم يواكبه تخطيط عمراني، يضع ضمن أولوياته توفير بنيات استقبال عشرات الآلاف من المواطنين، القادمين من مختلف مدن المملكة، مع توفير الحد الأدنى من البنيات التحية، الضامنة للكرامة الإنسانية..
والنتيجة استنبات مئات الهكتارات من العشوائيات، والتي سرعان ما تحولت إلى قنابل موقوتة، مستعدة للانفجار مع أي تماس اجتماعي…
أما الأسباب الذاتية فتتعلق بجهازين لهما علاقة مباشرة بمحاربة الجريمة:
الشرطة والقضاء..
فيما يتعلق بأداء جهاز الشرطة بمدينة طنجة، هناك إجماع على ضرورة ضخ دماء جديدة على مستوى مختلف المصالح والمسؤوليات بولاية أمن المدينة والدوائر الأمنية الخاضعة لنفوذها الترابي..
هناك انتقادات قوية لأداء مصالح ولاية الأمن، بسبب ما يسجله من المواطنون من غياب الحسم في التعاطي مع المجرمين…
وإذا كان الأمن يبقى أحد الوسائل الأساسية لمحاربة الجريمة بطنجة، فإن جهازا أخر لا يلتفت إليه الكثيرون:
إنه جهاز القضاء…
يكفي القيام بجرد للأحكام الصادرة عن المتورطين في مختلف قضايا الإجرام، من السرقة عن طريق التهديد بالسلاح الأبيض، إلى تكوين عصابات إجرامية متخصصة في السرقة والسطو، إلى الاتجار في المخدرات، إلى الدعارة…
سيصاب المرء بالدوار بسبب الأحكام المتناقضة في قضايا تتشابه من حيث الوقائع والدلائل، والمحجوزات…
أحكام مشددة في حق البعض وأخرى مخففة إلى أقصى درجة…
وعندما تسأل عن السبب يشهرون في وجهك قناعة القاضي استقرت على إصدار هذا الحكم…
الكثير من رجال الشرطة، وهم محقون في ذلك، يصابون بالإحباط عندما يعتقلون اشخاصا متلبسين بارتكاب جرائمهم، ويتم تقديمهم إلى القضاء، يفاجأون بأحكام جد مخففة لا تتناسب وصك الاتهام الموجه لهم…
بل من هؤلاء من يتعمد إهانه رجال الشرطة عبر استعراض عضلاته أمامهم، لكونه استطاع استصدار حكم بالبراءة رغما عنهم!…
تباعوا تعليقات المواطنين عبر الفايسبوك حول الأحكام الصادرة عن المحاكم…
هناك قناعة ترسخت في ذهنية المغاربة:
لكل عقوبة تسعيرة…
البراءة بثمنها…
المؤبد بثمنه…
وكلما انخفضت مدة العقوبة إلا وارتفع السعر…
أما البراءة فلها ترتيب آخر
طبعا لكل جريمة سعرها، السرقة ليست هي المخدرات!!!…
لا يمكن حجب الشمس بالغربال، ولا يمكن لتصريحات وزير العدل والحريات أن تقنع مغربيا واحدا حول تقدم إصلاح منظومة العدالة…
الرميد لا يتساهل مع قضاة الرأي، كل من تجرأ على انتقاد سياسته يكون مصيره العزل…
وكل من بلع لسانه وضخم أرصدته وضاعف ممتلكاته فهو آمن من المتابعة…
هذه هي الحقيقة المرة…
المواطنون فقدوا ثقتهم في القضاء..
المنظومة نخرها الفساد، واتسع الخرق على الراتق…
هناك قضاة نزهاء ما في ذلك شك، لكنهم الاستثناء الذي يؤكد قاعدة الفساد…
محاربة الجريمة في مدينة طنجة لن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع من دون شرطة تؤدي واجبها بإخلاص، ولكن بالدرجة الأولى من دون قضاء نزيه في خدمة المواطن أولا وأخيرا…