
محمد كويمن العمارتي*
كانت الفكرة في الأصل جميلة جدا، حين قررت السلطات المحلية إحداث أسواق القرب وإعادة هيكلة أسواق المدينة، كخطوة مهمة نحو وضع حد لحالات الفوضى التي تعيشها أسواقنا العشوائية، ومحاربة ظاهرة الاحتلال المبالغ فيه للملك العمومي بشكل جدي وواقعي. كما كان اختيار رجال السلطة للإشراف على الأسواق الجديدة وإعداد لوائح المستفيدين من محلاتها، اختيارا صائبا، بالنظر إلى تجارب سابقة ظلت أصابع الاتهام موجهة للمنتخبين دون غيرهم، قبل أن يكشف سوق أرض الدولة فشل الوالي في تقديم أول مشروع افتتحه جلالة الملك ضمن أوراش طنجة الكبرى، بعدما ظل هذا السوق مغلقا منذ تدشينه يوم 28 شتنبر 2015، ولم تتجند السلطة المحلية لمطالبة المستفيدين بفتح محلاتهم إلا بعد مرور أزيد من ثمانية أشهر، مع اقتراب موعد الزيارة الملكية المرتقبة في شهر يوليوز القادم، علما أن كل مستفيد سبق له أن وقع التزاما يفرض عليه الالتحاق بمتجره ومنعه من تفويته وعدم العودة نهائيا إلى الشارع، لكن المشكل الحقيقي الذي تجاهلته السلطة خوفا من تورط رجالها وأعوانها، يتعلق بطبيعة لوائح المستفيدين وسمسرة المحلات التجارية، وإن كان من الصعب تلبية طلبات الجميع، إلا أنه كان من السهل أيضا الإعلان عن المعايير المعتمدة وكشف هوية كافة المستفيدين، إذا توفرت فعلا الإرادة الصادقة لمعالجة هذا الملف بكل شفافية، والاعتراف بالأخطاء المرتكبة بدءا من اختيار الموقع وتصاميم المشروع إلى كيفية اعتماد طريقة التوزيع، تفاديا لتكرار نفس الهفوات في برمجة أوراش تأهيل باقي الأسواق الأخرى..
والمثير للسخرية أن السلطة حين عزمت على ترحيل السوق المركزي لبني مكادة، كلفت لجنة مختلطة بإعداد تقرير ينص على ضرورة إخلاء السوق لأن بنايته مهددة بالانهيار، وبعد أن طعن التجار في هذا القرار أمام القضاء، وصدر الحكم لصالحهم ضد الجماعة، غضبت السلطة وإن كانت دائما ما تدعو المتضررين إلى اللجوء للقضاء، وصارت تنهج أساليب أخرى للضغط على التجار بغرض ترحيلهم في أقرب الآجال، وطبعا كل القرارات تصدر باسم العمدة ويؤشر عليها الوالي، وكأن هذا الأخير لا ينفذ سوى ما تقرره الجماعة، وكان آخرها قرار سحب رخصة لمحل بيع المأكولات الخفيفة يحمل توقيع العمدة وتأشيرة الوالي باسم الكاتب العام للولاية، وذلك بناء على توصيات محضر اللجنة الإقليمية المختلطة، وبعيدا عن الدوافع الحقيقية لهذا القرار، فإن المثير للانتباه والسخرية أيضا أن من بين الأسباب التي اعتمدتها اللجنة لسحب الرخصة، عدم توفر الدكان المذكور على مستودع خاص بالمستخدمين، والحال أن السلطة إذا كانت ترغب في هدم هذا السوق ما عليها سوى الإعلان عن ذلك رسميا وتحديد المصير، الذي اختارته لأصحاب المحلات، مع منحهم مهلة للرحيل رغم أنفهم باسم المصلحة العامة ودولة الحق والقانون، والسلام..
يبدو أن الوالي حين دخل سوق العمدة، بتوليه مسؤولية تدبير أوراش أسواق طنجة الكبرى، وجد العمدة “داخل سوق راسو”، لكن ذلك لن يشفع له إذا ما استمر العبث في اتخاذ قرارات يتحمل المجلس الجماعي عواقبها، وسط ضبابية كبيرة حول مصير الأسواق، التي تترقب مشاريع إصلاحها بحذر في غياب رؤية تشاركية واضحة تكشف أهمية سوق الوالي ودور سوق العمدة، دون أن تسقط المدينة في فخ السوق “الخاوي“..
*عن أسبوعية “لاكرونيك”