أخبار وطنية

تصاعد موجات النزوح الإفريقية يثقل كاهل المغرب أمام غياب المسؤولية المشتركة

الخميس 24 أغسطس 2023 - 18:22

تصاعد موجات النزوح الإفريقية يثقل كاهل المغرب أمام غياب المسؤولية المشتركة

سجل تقرير حديث نشره “المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية” استمرار موجات نزوح المواطنين الأفارقة من بلدانهم نتيجة الصراعات التي تعرفها عدد من بلدان القارة الإفريقية، إذ بلغ مجموع المواطنين الذين “أجبروا قسرا على النزوح داخل وخارج بلدانهم أكثر من 40 مليون شخص”، أي ضعف الرقم الذي سُجل في العام 2016؛ فيما عرف العام الماضي لوحده موجة نزوح لأكثر من 3 ملايين إفريقي.

المصدر ذاته أورد، بناء على معطيات للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنه “من بين أكثر الدول الإفريقية التي تعرف معدلات نزوح عالية توجد 15 دولة تعرف نزاعات أو تحكمها حكومات ذات ميول استبدادية”، مشيرا إلى أن “السودان تعرف أكبر موجة نزوح على مستوى القارة الإفريقية، حيث أدت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى فرار أكثر من 4,5 ملايين شخص من منازلهم ليبلغ مجموع النازحين داخل وخارج البلاد أكثر من 7 ملايين و300 ألف شخص”.

وأشار التقرير عينه إلى أن “موجات النزوح في كل من الصومال وإثيوبيا والتشاد والكونغو الديمقراطية والنيجر وبروكينافاسو ومالي اتخذت منحى تصاعديا بسبب الأوضاع الأمنية في هذه الدول”؛ فيما تظهر التغيرات المناخية والكوارث الطبيعة الناجمة عنها كعامل مفسر هو الآخر لفعل النزوح، إذ “عرف العام الماضي ارتفاعا في عدد النازحين بسبب الكوارث قُدر بثلاثة أضعاف ليصل إلى 7 ملايين نازح.

وبتعدد الأسباب التي تدفع مواطني بعض الدول الإفريقية إلى الهجرة والنزوح خارج بلدانهم الأصلية بشكل خاص، تعدد التحديات التي يفرضها هذا النزوح على الدول الآمنة والمستقرة التي تعد ملاذا آمنا للنازحين على غرار المملكة المغربية التي تحولت من بلد عبور للمهاجرين صوب الضفة الأوروبية إلى بلد استقبال واستقرار للكثير منهم.

مقاربة إنسانية ومسؤولية مشتركة

عبد الفتاح الزين، مختص في شؤون الهجرة ومنسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، قال إن “إشكالية الهجرة الإفريقية هي إشكالية مركبة بشكل تجعلنا نسقط في فخاخ الطرح الغربي الذي يعتبر الهجرة خطرا داهما إن لم ننتبه الى إعادة بنائها الإشكالي”، مضيفا أن “تقرير المغرب الذي قدمه للاتحاد الإفريقي في سياق تبني الأجندة الإفريقية للهجرة بيّن أنه من بين كل خمسة مهاجرين أربعة منهم يبقون في إفريقيا”.

وأوضح الزين أن “التركيز الإعلامي على النزوح من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء إلى الفضاء المتوسطي يراد منه التأكيد على الخطر الداهم والبعد الأمني للهجرة؛ في حين أن ما يقع داخل القارة الإفريقية من مشاكل متعلقة بالهجرة هي أفظع بكثير مما يقع في البحر الأبيض المتوسط، خاصة على مستوى السياسات الإفريقية، أمام ضعف وهشاشة حكامة الهجرة داخل القارة”، مشيرا إلى أن “مسألة النزوح تشكل ثقلا كبيرا على المغرب؛ ذلك أنه تبنى سياسة قوامها أن الهجرة ليست ظاهرة يجب القضاء عليها، وإنما هي وضعية اجتماعية يجب مرافقتها في إطار المسؤولية المشتركة ما بين دول المصدر ودول العبور ودول المقصد”.

“لا يمكن للمغرب لوحده حل المشاكل المتعلقة بالهجرة بمعزل عن طرح إفريقي موحد في مواجهة الطرح الأوروبي” سجل المتحدث عينه، الذي أوضح أن “تحول المملكة إلى بلد استقبال أو عبور للمهاجرين يأتي كنتيجة منطقية للسياسة الإنسانية التي تتبناها في هذا الإطار من منطلق احترامها للمواثيق الدولية من جهة، وبالنظر إلى عدم احترام حقوق المهاجرين داخل العديد من دول المحيط المغاربي من جهة أخرى، في وقت تجتهد فيه الرباط لاحترام لالتزاماتها الرسمية والتضامنية والأخلاقية في معالجة هذا المد انطلاقا من المسؤولية المشتركة التي سبقت الإشارة إليها”.

وشدد منسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية على أن “المغرب مطالب بتحديث استراتيجيته للتعامل مع الهجرة، إذ يلاحظ نوع التراخي في تفعيل بعض الأمور المرتبطة بهذا الملف، خاصة تلك المرتبطة بإقامة الأجانب في المغرب عبر ضرورة تغيير القانون المنظم للهجرة والإقامة واللجوء على أراضي المملكة”.

وحول التعاون الأوروبي المغربي في مجال الهجرة، سجل المتحدث أن “الأوروبيين، سواء في إطار العلاقات الثنائية مع المغرب أو في إطار العلاقات بين بروكسيل والرباط، فإنهم يريدون أن يفرضوا أجندتهم على المغرب؛ فيما أن سياسة هذا الأخير في هذا الصدد هي سياسة واضحة تهدف إلى الدفاع أولا عن حقوق مغاربة العالم والحفاظ على نوع من التوازن في مقاربة ما يسميه الغرب بعبع الهجرة”.

وخلص إلى أن “المغرب يحاول أن يدافع عن أطروحته الإنسانية التي تؤطر تعامله مع ملف الهجرة؛ غير أنه لا يمكن أن يتحول إلى منقذ للبشرية، بل يجب إثارة مسؤولية جميع الأطراف الفاعلة في إطار المزاوجة ما بين المقاربة الأمنية والمقاربة الإنسانية، ذلك أنه لا يمكن لأية دولة أن تدافع عن جاليتها خارج ترابها في غياب الانسجام والتناغم ما بين ما تطالب به وما تمارسه”، لافتا إلى أن “الرباط تتعامل مع ملف الهجرة في إطار عدم الإضرار بالمصالح الوطنية وبخطابها الرسمي في الدفاع عن مغاربة العالم انسجاما مع مقتضيات الدستور المغربي؛ غير أن هذه السياسة تحتاج إلى نوع من الصرامة في التعامل مع بعض الملفات”.