
محمد العمراني
بات مؤكدا أن مجلس مدينة طنجة وصل مرحلة غير مسبوقة من العبث والعشوائية والارتباك، وصلت حد اتخاذ مقررات وقرارات ثم إلغائها والتراجع عنها، مع الاصرار على خرق أحكام القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.
يوم الجمعة 4 اكتوبر الجاري، اضطر مجلس مدينة طنجة الى رفع أشغال الجلسة الأولى من دورة اكتوبر، بسبب الاحتجاجات الآي شهدتها قاعة الاجتماعات، واتخذ المجلس مقررا بالاغلبية يقضي بإغلاق الجلسة المقبلة، التي ستنعقد يوم غد الجمعة 18 اكتوبر الجاري،في وجه العموم، وتم تبليغ المقرر لولاية طنجة من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ مقرر المجلس، طبقا للمادة 48 من القانون التنظيمي 113.14.
لكن يوم الاثنين المنصرم صدر بلاغ عجيب فريد يعلن فيه محمد البشير العبدلاوي، عمدة المدينة، انه بعد التشاور مع السلطات المحلية وبتنسيق تام بها ستكون جلسة 18 اكتوبر مفتوحة في وجه العموم.
المتخصصون في الشان المحلي اعتبروا هذا البلاغ فضيحة قانونية غير مسبوقة، لأنه يعتبر تعديا وسطوا على اختصاص حصري للمجلس، حيث لا بجوز لرئيس الجماعة إلغاء مقرر للمجلس بقرار فردي او بالاحرى بتدبيج بلاغ وتذييله بجرة قلم.
ما أثارني في منطوق البلاغ – الفضيحة هي جملة “بعد التشاور مع السلطات المحلية”، حيث بدا السيد العمدة وكانه حريص على التشاور مع السلطة كلما تعلق الامر بمصلحة المدينة والساكنة، والحال انه منذ انتخابه عمدة سنة 2015 ظل يستعمل اغلبيته المطلقة للاستقواء على السلطة وفرض قراراته بدعوى احترام الاختصاصات والفصل بين السلطات، والدليل هو العديد من القرارات التي اتخذت ضدا على موقف السلطة، كما الحزب المتحكم في دواليب المجلس صوت في اكثر من مرة على عقد إغلاق الدورات في وجه العموم، دون ان يكلف العمدة نفسه عناء التشاور مع السلطات قبل التصويت على المقررات!.
وبعيدا عن التبرير الذي ساقه العمدة لاصدار هذا البلاغ، بكونه حريص على تمكين المواطنين من متابعة اشغال المجلس، (وهنا نسأله عن غياب هذا الحرص خلال الدورات السابقة؟!)، فإن الدافع الحقيقي وراء مسارعته لاصدار بلاغه، كان استباقه لقرار كانت فرق البام والاحرار والدستوي تستعد للاعلان عنه، يقضي بمقاطعة جميع الدورات التي سيتم إغلاقها في وجه المواطنين، وهو القرار الذي كان سيحشر العدالة والتنمية في الزاوية، وسيجعله في عزلة قاتلة، وهو ما يرعب إخوان البشير العبدلاوي، خاصة وان العد العكسي لانتخابات 2021 قد بدأ.
إن بلاغ العبدلاوي الذي أعدم مقررا صادرا عن المجلس، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن حزب العدالة والتنمية لا يؤمن لا بالمؤسسات ولا بالقوانين، بل يوظفها لخدمة مصالحه واجندته السياسية.
فعندنا يكون في حاجة للاستقواء بالمجلس يتم اعطاء الاوامر بالتصويت الميكانيكي لاتخاذ القرار المرغوب فيه، والدفاع عنه بكونه صادر هن مؤسسة منتخبة ديمقراطيا لها اخاصتصاتها، وتعبر عن إرادة الناخبين، وعندما تستدعي مصلحة الحزب ايضا الدوس على المؤسسات، فلا شيى يمنع من ذلك.
ولذلك لما اقتضت مصلحة الحزب إلغاء مقرر صادر عن المجلس، الذي يتوفر فئه على الأغلبية المطلقة، لم يتردد العمدة في إلغائه عبر بلاغ، والحال انه المجلس هو الوحيد الذي من اختصاصه التصويت على مقرر جديد يلغي السابق.
ما يبعث على الأسى الممزوج بغير قليل من الغثيان، هو ان الحزب الذي كان يتشدق بالدفاع عن المؤسسات، ويقلب الطاولة للمطالبة احترام الاختصاصات، هو الحزب ذاته الذي لا يتردد في السطو على اختصاصات هاته الموسسات، وجعلها رهينة في يد الحزب
خدمة لمصالحه الانتخابية.
المثير في الأمر، أن البعض لا زال مصرا على تجاهل (أو غير مدرك) مخاطر الاستقواء بالاغلبية المطلقة المحكومة بنزعة الاقصاء والهيمنة والتحكم، وتحويل المؤسسات الى ملحقات في خدمة اجندات الحزب والجماعة.