
ها قد حلّ موسم الحصاد الدراسي، وانكشفت أوراق النجاح والفشل على موائد البيوت. بين من تفتحت ورودهم مع صباح النتائج، ومن ذبلت أمانيهم بصمتٍ في زوايا الخيبة، انقسمت المشاعر في صمت الشوارع وضجيج البيوت.
في وقتٍ علت فيه الزغاريد من نوافذ بعض المنازل، وجابت مواكب الفرح الأزقة، كان هناك من يطوي ألمه بعيدًا عن الأنظار، يُخفي دمعته، ويخشى أن يبوح بحزنه في مدينة لا تعترف إلا بالمتفوقين.
ما أجمل الفرح حين يكون خافتًا، ناعمًا كنسيم الفجر، لا يؤذي ولا يجرح، ولا يتعالى. لكن، ويا للأسف، تحوّلت بعض مظاهر الاحتفال بالباكالوريا إلى استعراضٍ صاخب، كأن النجاح لا يكتمل إلا بالضجيج، ولا يُروى إلا بماء التفاخر.
ترى السيارات تجوب الشوارع بأسماء المتفوقين، والطبول تُقرَع، والمفرقعات تملأ السماء، وكأن العالم قد توقف ليحتفل فقط بأبناء الحظ السعيد. وفي المقابل، يقف وجه في نافذةٍ ما، شاحب، يراقب من بعيد، كمن يشاهد الحياة من خلف زجاجٍ لا ينكسر.
ليس الفشل عارًا، بل هو درجة من درجات النضج والطريق، لكنه يتحول إلى عبء حين نُغرقه في أضواء نجاحنا المفرطة، دون رفق، دون رحمة. كم من قلبٍ انكسر تحت وطأة الصخب! وكم من أمٍّ ابتلعت حزنها وارتدت ابتسامة خجولة لتُخفي مرارةً لا يُقال عنها الكثير!
ما أجمل لو كان الفرح نبيلاً، يواسي قبل أن يُفاخر، ويهمس للخاسر: “غدك أجمل”. ما أروع أن يحمل الناجح فرحه بوقار، يُفرح به دون أن يُقصي، يحتفل دون أن يُؤلم.
فالنجاح الحقيقي هو ذاك الذي يُعلّم التواضع، ويُغرس الرحمة، ويجعل من الفرح جسرًا لا جدارًا. فلنفرح، نعم، ولكن بإنسانية… فلنصنع من نجاحنا لحظة نُبل، لا لحظة نُفور.
مباركٌ للناجحين، والعقبى للمجتهدين في فرصة قادمة… فالدرب لم ينتهِ بعد، وما الحياة إلا مزيج من بدايات تتلوها بدايات.
هل تود تصميم بطاقة مرئية أو نشر هذه الرسالة في قالب معين (مقال، تدوينة، منشور على وسائل التواصل)؟