
طنجاوي
في حوار له مع أسبوعية الايام، بسط المفكر والدكتور امحمد جبرون، الباحث في قضايا الفكر الاسلامي وتاريخه، وجهة نظره بخصوص ما بات يعرف بواقعة “يتيم”، وبالنظر لما هو مشهود للدكتور جبرون بالرصانة العلمية والفكرية، وتعميما للفائدة ارتأينا أن نعيد نشر رأيه كاملا حول النازلة، كما صرح به لصحيفة الأيام.
فردا على سؤال للصحفي المقتدر كريم بوخصاص عما أسماه “بواقعة يتيم، كان جواب الدكتور جبرون على النحو التالي:
• ألا يجدر بالحركة الإسلامية المغربية بعد واقعة “يتيم” أن تقدم نقدا ذاتيا لأدبياتها، وتعلن عن منظومة قيم جديدة؟
– من خلال متابعتنا للشأن الإسلامي، لا زالت الحركة الإسلامية متشبثة بأدبياتها التقليدية على مستوى العلاقة بين الجنسين، وسائر القضايا الاجتماعية.. وهي بالمناسبة أدبيات موروثة. وفي الوقت الذي يتوقع أن تواجه هذه الأدبيات تحديات من الجيل الجديد والشباب بحكم التحولات الاجتماعية والثقافية العميقة، جاءت -وعلى عكس ما هو متوقع- من جيل آخر، جيل التأسيس.
لكن الحقيقة التي لا يجب أن نقفز عنها في هذا السياق، هو أن المنظومة الأخلاقية كما يتصورها الإسلاميون التي تضبط علاقة الرجل بالمرأة، وتضبط سلوك كل منهما في الواقع بحاجة إلى مراجعة عميقة، وشجاعة..، ليس بهدف فسح المجال لممارسة ما يعتقد “حراما”، ولكن بهدف إعادة تعريف الحلال والحرام على الصعيد الاجتماعي (اللباس؛ الاختلاط؛ الخلوة..).
ومن ثم، فما أسميته بواقعة يتيم، هو سلوك وموقف “حرام” من منظور الأدبيات الإسلامية السائدة إلى اليوم، والتي لم يظهر عليها أي تجدد في السنوات القليلة الماضية، وربما تكون سلوكا عاديا وطبيعيا من منظور أخلاقي آخر ومختلف.
• لماذا في نظركم يؤتى الإسلاميون من هذا الباب (العلاقات بين الجنسين/ التعدد)، أليس مطلوبا من الحركة الإسلامية بلورة أطروحة عصرية في الموضوع؟
– أعتقد أن الإسلاميون شأنهم شأن سائر الخلق، يسري عليهم ما يسري على سائر التجمعات البشرية، فيظهر فيهم السارق، والمختلس، والزاني، والعنيف.. ومن الخطأ الجسيم استبعاد هذه الآفات البشرية التي تصيب الناس على اختلاف منازلهم عن الإسلاميين.
ربما هذه المخالفات تدل على هشاشة الوازع الأخلاقي الذاتي لدى هذا التيار أو ذاك، ربما تؤشر على خلل تربوي ما، وربما وربما.. ومن هذه الناحية يمكن الإشارة إلى أن المرجعيات التي تجنح إلى التشدد، وتكثر من الاشتراطات السلوكية والأخلاقية، تكثر بها المخالفات والتجاوزات، “فمن تشدد، شدد الله عليه”.
أما فيما يتعلق بظاهرة المخالفات ذات الصلة بما هو جنسي التي تبدو أنها تكثر بين الإسلاميين، فهي لا تنفصل عن الظاهرة التي تمس المجتمع ككل، فالمغرب شأنه شأن عدد من الدول، يعيش مرحلة انتقال جنسي، من نمط تقليدي، إلى نمط حديث، وهذا الانتقال، يشكل تحد حقيقي للمنظومة الأخلاقية الإسلامية الموروثة، وطبيعي في مثل هذا الظرف أن تكثر المخالفات والتجاوزات المتصلة بهذا الجانب لدى الإسلاميين وغيرهم، وطبيعي أيضا أن تظهر أكثر لدى الإسلاميين بحكم الأضواء المسلطة عليهم. ومن ثم، فالحاجة ماسة على الصعيد العام والماكرو إلى إحداث حالة من التأقلم بين الواقع وبين المنظومة الأخلاقية الإسلامية، وإصلاحها كذلك.
• أغلب السلوكات التي يأتيها الإسلاميون تحكمها قواعد وضوابط وثقافة وعادات أسس لها الرعيل الأول، ألم يحن الوقت للتجديد في الأطر الفكرية والمرجعيات المؤطرة؟
– كما أسلفت القول، المراجعة حاجة حيوية، ولا بد منها، وذلك في إطار التصور القيمي الإسلامي، وبما يناسب الواقع الحديث.
• من القضايا التي تثير التساؤل وتبعث على الحيرة، أن أبناء المشروع الإسلامي لا يصافحون بعضهم البعض، لكن لا يجدون حرجا في مصافحة غيرهم؛ أين الخلل في نظركم؟
– إن هذه الظاهرة تدل من جهة على عجز الإسلاميين عن ممارسة قناعتهم الاجتماعية، وهو ما يضطرهم إلى التنازل عنها، وتأطيرها بفقه الضرورات، والإكراهات.. الذي لا يدل عن تحول في قناعاتهم بقدر ما يدل على التنازل أمام قوة الواقع، وحيثما أتيحت لهم فرصة ممارسة هذه القناعات إلا ورجعوا إليها باعتبارها الأصل.
ومن ناحية أخرى، يلاحظ ضعف الاجتهادات والفقهيات التي لا ترى مانعا من المصافحة، ولا ترى فيها تجاوزا أخلاقيا. كذلك، إن الأمر يتعلق بجيل “شابَ على شيء”، ولا يتصور عدوله عن تصرفات تربى ونشأ عليها.
• ما هي القضايا المستعجلة التي تحتاج إلى تجديد داخل الحركة الإسلامية لتجنب حصول صدمات في الممارسات مستقبلا؟
– يجب الانطلاق أولا؛ من أن التجاوزات متوقعة، والخلل وارد، لكن المطلوب إعادة النظر في عدد من التصورات والأخلاق بما يرفع المشقة والكلفة عن عموم الناس وليس الإسلاميين في هذا الباب، وبما يحفظ قيم الإسلام وهديه القيمي والأخلاقي، وأتصور أن عددا من القضايا بحاجة إلى مراجعة، من أبرزها: مفهوم الحجاب وعلاقته بالقيم المرجعية؛ مفهوم الخلوة؛ مفهوم الاختلاط…
• ألا تؤشر “واقعة يتيم” على تحول قيمي عميق لدى حركة التوحيد والإصلاح والحركة الإسلامية عموما؟
– من السابق لأوانه بناء خلاصات مرتبطة بحصول تحول فكري لدى الحركة الإسلامية أو شيء من هذا القبيل انطلاقا من واقعة “زواج يتيم”، لأن الحدث ببساطة -وإن كان صادما بالنسبة للمنتمين للحركة الإسلامية- يفتقد لأي شرعية فكرية أو فقهية أو سياسية، ويبقى حدثا معزولا وسقطة من السقطات لأحد الرجالات، وتصرف يعبر عن خلل معين وانزلاق مرتبط بالشخص في حد ذاته.
أما الذين يبررون أفعال “يتيم” فإنهم ببساطة يتجنبون الاعتراف بوجود خلل ما حماية للصورة الجميلة للتنظيم الذي ينتمون إليه، لذلك تجدهم يسوقون مبررات واهية وغير مقنعة بدل الاعتراف بأن هذا الشخص أخطأ ويتحمل المسؤولية وحده، ولا علاقة لخطئه بالأطر الفكرية أو المرجعيات المؤطرة للإسلاميين.
وفي الحقيقة لا يوجد خلاف حول “زواج يتيم”، لكن الأمر ببساطة واختصار مرتبط بوضعية رمزية وسياق معين في تنظيم عنده طموحات دعوية وأخلاقية كبيرة، وفيه قدر كبير من السمو الأخلاقي. والمشكل أنه لا توجد مرونة في الزواج داخل التنظيمات الإسلامية كما هي موجودة في الدين، ودائما يجنح الإسلاميون من خلال رغبتهم في السمو الأخلاقي والتميز إلى اختيار الزوجة المحجبة كرمز للتدين، كما تؤكد ذلك أدبياتهم حول المسألة، لذلك يعتبر اختيار “يتيم” زوجة غير محجبة نكوصا عن تلك الأدبيات المؤطرة، وإن كان لا يقع في دائرة الحرام.
وفي العموم، يبقى التراجع عن الثقافة التي تؤطر زواج الإسلاميين يتعلق ب «يتيم» وحده، فالأدبيات المرتبطة بهذا الموضوع مازالت سائدة عند أبناء هذا التيار.
لكن تبقى المشكلة -في نظري- في طريقة ظهوره مع تلك السيدة، التي هي في أحسن الأحوال خطيبته، وهنا نتساءل معه: هل يجوز له الإمساك بيدها أو السفر معها ومجالستها لوقت متأخر من الليل، لأن هذه الممارسات وإن كانت موجودة في عرف الشباب فإنها ليست كذلك عند الإسلاميين.
مسألة أخرى وجب الانتباه إليها، إذا كان ليتيم رأي خاص يخالف أدبيات الإسلاميين حول هذه المسألة، فأعتقد أنه كان لزاما عليه أن يعلنه قبل مدة، لأنه لا معنى أن يكتبه بعد أن وقع له ما وقع.